11 أيلول 2007 العدد 12314 السنة 36
مرعبةً كانت الأرقام والإحصاءات التي وردت في رسالة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في “اليوم العالمي لِمحو الأمية” – 8 الشهر الجاري). ففيما جاء أنّ “الكبار الذين يجهلون القراءة والكتابة في العالم يبلغون نحو 774 مليوناً، ثلثاهم من النساء، بينما الأطفال غير الملتحقين بالمدارس يبلغون 72 مليوناً، والذين يرتادون المدرسة بشكل غير منتظم يبلغون أكثر بكثير”، جاء في تقرير منظمة اليونسكو أنّ “الأميين في العالم العربي يتجاوزون 70 مليوناً يشكّلون ضعف المتوسط العالمي للأمية، والأميات ضعف الأميين، وتأتي مصر في الدرجة الأعلى بعدد الأميين فيها (17 مليوناً) وبعدها السودان فالجزائر فالمغرب فاليمن، ولا يزال 10 ملايين طفل عربي خارج التعليم”.
معقول؟؟؟ 17 مليون أمي في بلد واحد؟ 70 مليون أمي في الدول العربية؟ 10 ملايين طفل بدون تعليم؟ كيف نريد، والحالة هذه، والأرقام هذه، والفجيعة هذه، أن نبني مستقبلاً للأجيال الجديدة في هذه البقعة من العالم؟
هذا عن الأميين بمعنى جاهلي القراءة والكتابة. أما موضوع “اليوم العالمي لِمحو الأمية” هذا العام: “الصحة ومحو الأمية” فأرقامه حتماً في العالم العربي تبلغ أرقاماً أكثر فاجعيةً ومأساويةً ورُعباً، لأن الصحة في العالم العربي من الأمور التي لا توليها معظم الأنظمة العربية اهتماماً، وتبقى مهملة وتسبِّب كوارث الأمراض والعدوى والنسل والإنجاب والتربية والتنشئة وتجنب الأخطار.
الأمية اليوم لم تعُد قصراً على جهل الكتابة والقراءة، بل باتت جهل الذات (في العلاقة الذاتية مع الذات والجسد والـ”أنا” الاجتماعية) وجهل الآخر (في العلاقة مع السوى ودمج الـ”أنا” الاجتماعية في “الآخر”). ومن هذه العلاقة بين الـ”أنا” الذاتية والـ”أنا” الغيرية، تتولد التربية، وهذه توصل الى الثقافة، وهذه توصل الى مَحو الأمية الحقيقية.
وإذا دلَّت إحصاءات الأمم المتحدة على 70 مليون أمي (رقم- ويا للعار- يشكِّل “ضعف المتوسط العالمي للأمية!!!) فلدى العرب أضعاف هذا الرقم (إذاً أضعاف المتوسطات العالمية) من المواطنين العرب الأميين لا بمعنى جهل القراءة والكتابة بل بمعنى الانقياد الأغنامي الببغاوي الاستزلامي الأعمى وراء التيارات السياسية أو السلفية أو المذهبية أو الدينية أو الميليشياوية أو الزعاماتية، وهذه تيارات لا يُمكن لزعمائها وقيادييها أن يتيحوا هامش التعلُّم والتثقُّف لقواعدها البشرية، حتى يظلوا على هيمنتهم وإمساكهم بتسيير هذه “الجماهير” التهييصية التعييشية الببغاوية وفق ما هم (الزعماء) يريدون، فيظلُّون على رأس الحكم، أو على رأس النظام، أو على رأس التيار، أو على رأس المجموعات البشرية الأمية التي تشكل تلك الزعامات.
الوعي يبدأُ من هنا. ومحو الأمية يبدأ من هنا. ومتى انسلخ أهل القاعدة عن رأس الهرم، وراحوا يتعاملون معه على أساس واعٍ منطقي عقلاني (لا ببغاوي انقيادي استزلامي) يسقط رأس الهرم تلقائياً ويروح أهل القاعدة يتلقّون التربية القرائية والكتابية والاجتماعية والصحية والثقافية، ويبدأُون من هنا بناء وطن يهيِّئونه لأبنائهم من بعدهم، لا تعود فيه أرقام الأميين فاجعية كما اليوم، مرعبة كما اليوم، مهدِّدة (كما اليوم) بإبقاء العالم العربي في هذا الدرْك المتأخر الذي تشير إليه إحصاءات منظمة اليونسكو.
المشكلة الرئيسة إذاً، ليست في القاعدة العربية وحسب، بل في رأس كل هرم جاء الى الحكم من الأمية الديمقراطية، ويمارس الحكم بأوتوقراطية سلطوية هي علَّة العلل في تأَخُّر هذا العالم العربي.