4 أيلول 2007 العدد 12307 السنة 36
قالت: “نحن في الكويت نتأثّر بالعناد اللبناني في الثقافة والإبداع، ونُعجَب بالمقاومة اللبنانية في الثقافة والفنون. فرغم الظروف القاسية التي يمر بها لبنان، وجدتُ الفنانين التشكيليين اللبنانيين ناشطين حيويين يقيمون معارضهم الشخصية بكل ذكاء وشجاعة، ولا تتوقَّف الأنشطة الثقافية ولا يتوقف الإقبال عليها أنّى كانت وفي أية ظروف تقام. نحن في الكويت كثيراً ما نتحدّث عن هذه الحيوية اللافتة في الشعب اللبناني ولدى المثقَّفين والمبدعين اللبنانيين”.
هذا الرأي من فنانة تشكيلية كويتية نبيلة المحتد الكويتي ونبيلة الوفاء للبنان الذي تتهيَّأُ كي تقيم فيه معرضاً لجديدها، لا ينبع من قناعتها وحسب بل مِما باتت تعرفه عن المبدع اللبناني الذي، بنتاجه وعناده وقوة إرادته على العطاء والحياة، يعكس شرياناً قوي الدفق في لبنان، لا تعيقه حالة سياسية، ولا تؤخره حالة أمنية، ولا تتحكَّم بمصيره أوضاعٌ في لبنان ما زالت تزلزل لبنان منذ عقود، وتهزهز أغصانَه في قوة شرسة، وتهز جذعه في ضربات متتالية، ولكنها مهما عَتَت أو تعاتَت لا يُمكنها أن تبلغ جذوره الممتدّة في التاريخ منذ أول التاريخ.
منذ 1975 (التاريخ المشؤوم الذي بدأت معه المصائب تتوالى على لبنان) والمبدع اللبناني يقاوم، يناضل، ينتج، يتطور، يعاند، فلا تُظْلِم الحالة في لبنان حتى يُشْرقَ من مكان آخر في العالم مبدعٌ لبناني نال جائزة دولية، أو أصدر نتاجاً لافتاً، أو اكتشف، أو اخترع، أو تبوَّأَ منصباً عالياً في دولة كبرى، حتى ليصحّ في لبنان الانتشار أنه “أمبراطورية لا تغيب عنها الشمس”.
وما يقوله المبدعون العرب، والكويتيون في صدارتهم، عن الإبداع اللبناني المميز، كلامٌ نبيل يعكس ما يراه الآخرون النبلاء عن مبدعين أبناء بلد ضئيل الجغرافيا أثيل التاريخ، مُختصَر الديموغرافيا موسَّع الإبداعُوغرافيا، ضامر العددية واسع النوعية، فقير الكثرة غني الجودة، حتى لكأن الإبداع هو التعويضُ الأفعل عن ضآلة الجغرافيا واختصار الديموغرافيا وقلة العدد و”الكَثْرَتُوغرافيا”.
وهو هذا ما يَحدُوني دائماً الى تشبيه وطني لبنان بالمنارة التي لا تأخذ من الأرض إلاّ مساحة ضئيلة قليلة نحيلة، لكنها تتطاول صُعُداً، وحين تأخذ بالإضاءة تصل إشعاعاتُها الى أقاصي البر والبحر. وهكذا لبنان: لا يحتل من الخارطة إلاّ نقطة ضئيلة، ومن تراب الكرة الأرضية إلاّ حفنة كيلومترات مربعة، لكن إشعاع أبنائه ينبسط على مدى خرائط الدول، وينتشر على تراب الكرة الأرضية في جميع بلدانها.
هذه هي الأعجوبة اللبنانية في الخلق والإبداع والابتكار وبلوغ القمم. هذه هي أعجوبة الإبداع اللبناني.
من هنا نقمتي العارمة على معظم سياسيي بلادي الذين يتصرفون بشخصية وشخصانية وتشخيصية فردية أنانية موتورة، ومعظم هذا المعظم يجهل تاريخ لبنان وأهمية لبنان وفرادة لبنان وتَمايُز لبنان، ويتصرف بعقلية سيّد المزرعة أو زعيم العشيرة أو قائد القبيلة، فيودي بلبنان الى مهاوي الخطر، لكنه سرعان ما يَسقط خائناً تحت أسواط لعنة التاريخ.
ومن هنا أن معظم السياسيين في لبنان أصغرُ شأناً وحجماً وحضوراً من مبدعين لبنانيين هم، بإبداعاتهم وعطاءاتهم وإنتاجهم، منقذو صورة لبنان في العالم من بشاعة ما يوقِعها فيه سياسيون أمِّيُّون جَهَلَة أنانيون منفعجيون مصلحجيون مستزلِمون متواطئون، زاحفون على جباههم عند عتباتٍ وأقدامٍ من أجل بلوغهم مقعداً أو سلطة أو رئاسة.
وحدها أعجوبة الإبداع اللبناني هي العلامة. ووحده الإبداعُ اللبناني صورةُ لبنان الحقيقية.