21 آب 2007 العدد 12293 السنة 36
حين كنتُ في زيارة الى الصين قبل سنتين ودخلتُ مركز المدينة في شانغهاي، لفتتْني لوحة كبيرة عند مدخل المركز، عليها خارطة زمنية لِما تَحقَّق حتئذٍ في المدينة، وما سيتمُّ إنْجازه حتى 2010 ثم حتى 2025 ثم حتى 2050. ومع كل تاريخ منها رسوم بيانية عما ستؤول إليه المدينة في هذا التاريخ المستقبلي، بكل تفاصيل البنية التحتية واللوجستية والديموغرافية في كل تاريخ.
ومؤخراً قرأتُ في نبأ أوردته وكالة “رويترز” أن علماء صينيين ابتكروا طائرة تحلّق مسافات طويلة غير عالية سوى نصف متر فقط عن سطح البحر، بسرعة 300 كلم في الساعة وبحمولة أربعة أطنان. وأكّد نائب رئيس فريق البحث في جامعة تونغي (شانغهاي) البروفسور تشي تشينجي أنها “طائرة آمنة تماماً كالسفن، لكنها أسرع خمس مرات من السفينة، وتحمل وزناً أثقل من حمولة الطائرات العادية، فيما تهبط نفقات تشغيلها الى نصف الكلفة طالما أنها تستخدم نصف كمية الوقود”. ولم ينتهِ الخبر بعد، فاللافت فيه أيضاً أنّ فريق البحث في جامعة تونغي يخطِّط منذ اليوم لتطوير هذه الطائرة حتى تتمكَّن من نقل خمسين راكباً بحلول سنة 2013 (أي بعد ست سنوات)، كما يخطط الفريق نفسه منذ اليوم كذلك لتطوير هذه الطائرة نفسها فتتمكن من حمل 200 طن بحلول سنة 2017 (أي بعد 10 سنوات).
الشاهد من هذا الكلام: التخطيط الذي تضعه الدول اليوم لتعمل على تنفيذه غداً، فينتهي التنفيذ وفق المخطط المرسوم. والشاهد الأهمّ أن الدول تقاس بمخططاتها للمستقبل كي توفِّر لشعبها أملاً بأنها تعمل لدنياهم اليوم من أجل غدٍ أفضل وأرحب. فالدول التي تعمل لرفاه شعبها هي التي تبقى في ورشة متحركة دائمة تخطيطاً وتنفيذاً.
الشهر الماضي كنتُ في الأردن ورأيت فوق عمّان جسراً معلّقاً جميلاً كبيراً قيل لي إنه وفّر على شوارع المدينة زحمة كانت خانقة جداً، وبعدما فتح هذا الجسر شرايين المدينة أوسع، بدأت الدولة بالتخطيط لجسور معلقة أخرى فوق المدينة المكتظة.
والأسبوع الماضي عدتُ من المغرب ومررتُ بين أصيلة وطنجة على طريق سريع يعبر الفلوات الشاسعة بسهولة سائغة، بدءاً في أوله من “مَحطة أداء” (لدفع رسم المرور على الطريق السريع مما يدعم خزينة الدولة كي تنشئ طرقات سريعة أخرى) وانتهاء في آخره بـ”محطة أداء” أخرى. وبعض مردود هذا “الأداء” يذهب الى صيانة مستمرة للبنية التحتية من تعبيد وتأهيل.
والعام الماضي كنتُ في الكويت فوجدتُ العاصمة ورشة قائمة في شقّ طرقات جديدة (وسيعة وسريعة) وفي تنفيذ مُخططات قيل لي إنها وفق جداول زمنية مخطط لها كي تصل الغد باليوم في ما يعود على المواطنين والسكان برفاه حياتهم في البلاد.
الى أين، بعد كل هذه المعاينات والمشاهدات؟ الى لبنان. لبنان المعلّق على صخرة انتظار لا برنامج له ولا جدول ولا مخطط… انتظار مرير قاسٍ حامض مالح قاهر يرهق شعبنا ويؤدي بمعظم أبنائنا الى الهجر والهجران والتهجير والهجرة حتى ليكاد يفرغ لبنان من عناصره الشابة المرصود عليها أن تبني لبنان الغد.
ولكن: أين هو لبنان “الغد” حين لبنان “اليوم” موقوف في زنزانة قدَرٍ مُجرم يسبِّبه له مرةً عدوٌّ مُجرم في جنوبه، ومرات ومرات يوضاسيون من سياسييه، فلا ينهض حتى يسقط من جديد في جمود كل حركة فيه اقتصادية وسياحية وتنموية ومستقبلية؟
كيف لهذا اللبنان أن يخطِّط لسنوات مقبلة حين يتردَّد أبناؤه في التخطيط لليلة مقبلة، خوف انفجار الوضع سياسياً أو أمنياً؟
أيها الناس: خذوا الاستشراف من الصين، وخذوا من لبنان ألاّ توصلوا الى حكْم بلدانكم سياسيين يخططون للانتخابات المقبلة ولا يخططون للأجيال المقبلة.