الحلقة 190: الطرقات الْمتخلّفة تعلّم الناس المخالفة
(الجمعة 5 تشرين الثاني 2004)
في أمثالنا الشعبية أن “الرزق السائب يعلم الناس الْحرام”.
والرزق السائب، هنا، هو الرزق الْمتخلّف عن الْحراسة، أي لا يَحرسُه أحد.
في هذا الْمعنى، يُمكن الْكلامُ على الطرقات الْمتخلّفة أي الْمتخلّفة عن الْحراسة.
فالطرقات التي تغيب عنها الدولة بشخص دوريات السير هي طرقات متخلّفة.
والطرقات التي يَجتاز السائقون عليها الْضوء الأحمر هي طرقات متخلّفة.
والطرقات التي ينفلت عليها السائقون بسرعة مَجنونة لا سقف لها هي طرقات متخلّفة.
والطرقات التي يقف عليها رجال شرطة السير مثل خيال الكروم لا فعالية لهم ولا هيبة ولا مَحاضر ضبط ممنوع الوقوف ولا مَحاضر ضبط سرعة ولا مَحاضر ضبط مرور على الضوء الأحمر ولا مَحاضر ضبط لأيّة مُخالفة، هي طرقات متخلّفة.
والطرقات التي أصبحت في معظمها جل بطاطا مُمتلئ بالْمطبات والتشققات والترقيعات ذات النتوءات والْحُفَر القاتلة والْمجارير الْمفتوحة والسواقي الفاغرة والْحجارة الكبرى التي لا يُزيلها أحد عن عُرض الطريق، هي طرقات متخلّفة.
والطرقات التي لا إشاراتٍ عليها لتحديد السرعة أو وجهة السير أو الْمسافات الْمتبقّية أو أسماء الأمكنة، هي طرقات متخلّفة.
و… على طرقاتٍ متخلّفة من هذه الأنواع الْمتخلّفة، كيف يُمكن ألاّ يتواقح السائقون فيخالفوا لأنهم موقنون أنْ رقيب ولا حسيب ولا هيبة دولة ولا رجال شرطة سير يردعون أو يُخيفون أو ينظّمون مَحاضر ضبط؟
جاء وقتٌ، كان شاويش واحد في مَخفر، يُرعب ضيعةً أو مدينةً بكاملها.
من مظاهر التخلُّف غياب هذا الشاويش الذي كان فعلاً يُمثّل هيبة الدولة.
ومن الْمفارقات الساخرة، أننا لَم نعُد نرى هيبة هذا الشاويش إلا في كاريكاتور مسرح الأخوين رحباني.