الحلقة 188: شركة الكهرباء بين التقتير والتعتير وسلخ الفواتير
(الأربعاء 3 تشرين الثاني 2004)
يعرف المستمعون الأصدقاء متابعو “نقطه عَ الْحرف” مشكورين، أنني منذ مطلع أيلول الماضي كنتُ أطِلُّ عليهم من الخارج، بدءاً من برشلونة، وبعدها من حلَب، وبعدها من فلوريدا وبعدها من نيويورك وأخيراً من الصين، وكنتُ، في حيثُما أحُلّ، أُشركهم معي بمشاهداتي ومعايناتي وانطباعاتي، وأسجل حلقاتي من هناك.
عدتُ الى الوطن الأسبوع الماضي، لتطالعَني، بين بريدي المتراكم، فاتورة كهرباء دسمة باهظة خِلْتُها أولاً عن سنة كاملة أو عن كامل الحي، فإذا بها فعلاً فاتورةُ بيتيَ الذي، طوالَ الفترة المذكورة على الفاتورة، كان مقفَلاً لا ضوءَ فيه ولا استهلاكَ طاقة.
حقَّقْتُ بين الرقم على الفاتورة والرقم في عداد ساعتي الكهربائية، فوجدتُ بينهما فارقاً بِمئات الكيلوات، وتلزمُني أَشهُرٌ حتى يبلغ الرقمُ في عَدّادي الرقمَ الموجود على الفاتورة. وتَحقّق لي أن الْجابي الأشوس سجّل على فاتورتي رقماً سابقاً بكثيرٍ الرقمَ الفعلي على عداد ساعتي.
كلّفتُ من راجعَ لي بالأمر في شركة الكهرباء فكان الجواب واضحاً: “إدفع، ثم قدّم اعتراضاً، ثم نحقق في الأمر”. ولما كنتُ سمعتُ في السابق كثيراً من المواطنين دفعوا ثم اعترضوا ثم لم يَجْرِ أيُّ تحقيقٍ في الأمر، أيقنتُ أن التقدُّم بالاعتراض هدرٌ للوقت في مؤسسةٍ هي أُمُّ مؤسسات الهدر في لبنان، والبالعةُ ثلثَ الدين العام (أي عشرة مليارات دولار من أصل دين الثلاثين مليار) ولا تزال تتحجّج بِمئات الأعذار على ما تُذيق المواطنين اللبنانيين لا من تقنين، بل من تقتيرٍ ظالم، وتعتيرٍ متفشٍّ، وسلْخٍ بفاتورةٍ هي تحت رحمة جابي المؤسسة الذي لا يكلّف نفسه الكشف على العدادات فيضع أرقاماً وهميةً يوفر بها تنقله على البيوت والمستهلكين، وتُحوِّلُ المؤسسةُ التحصيلَ الى شركةٍ أُخرى لا علاقةَ لها بِمنشإ الفواتير، ويقعُ المواطن ضحيةَ الجابي والتحصيلِ ومؤسسةٍ هي بئرٌ مفتوحةٌ للهدر والسرقة وملفاتٍ لا يفتحُها أحدٌ لأن أصحابها مَحميُّون من بابازات العشائر.
ولكنَّ هذا لن يدوم، والدولةُ التي تضع رأسها في الرمل وتقول أنْ لا يراها أحد، ستستفيق يوماً على ثورةٍ عارمةٍ تُطيح رأسَها والرَّمل، وعندئذٍ لن يكون عندها وقتٌ للبحث، حتى عن رأْسها.