الحلقة 187: لبنان وطن للصيف فقط!؟
(الثلثاء 2 تشرين الثاني 2004)
عادت القصة ككل عام: تيتي تيتي. مع الأمطار الأُولى تطوف الطرقات، تنسدُّ الْمجاري، تتشلّق الْحفافي، ويغرق الْمواطنون في بُحيرات من الذلّ والإهانة.
كأنما مكتوبٌ على لبنان، لبنان الدولة، أن يكون وطناً صيفياً، أو وطنَ سياحةٍ للصيف فقط، حتى إذا جاء الشتاء بأمطاره ورعوده وعواصفه وطوفاناته، راحت كاميرات الصحف والتلفزيونات تتسابق على تصوير سيلٍ هنا، أو انسدادِ طريقٍ هناك أو زحمةِ سيرٍ هنالك، وتتصاعد التعليقات، وتتصاعد الشتائم، ويتصاعد غضب المواطنين على دولةٍ من هواياتها أن تكون مازوشية تتلذَّذ بتلقّي الشتائم وهي تتفرّج وتفتح يديها متباهيةً بعجزها السخيف.
ويتساءَل المواطن، دوماً يتساءل: لِماذا لا تكون الدولة استباقيةً، فتبدأ منذ أيلول توزّع فرقاء الصيانة على الطرقات تفتح مجاريها، وعلى الحفافي، بمعلوماتٍ من البلديات، تسنّدها وتقوّيها، وعلى مصارف المياه تنتشل منها الورق اليابس وكل ما وقع فيها طوال الربيع والصيف حتى تَجري فيها المياه فلا تتجمّع على الطرقات.
وإلاّ فلا تتعجبَنَّ الدولة لردود فعل غاضبة وقاسية من مواطنين يدفعون الضرائب من ميكانيك وخلافِه، حتى إذا اشتدّت الأمطار تَحوّلت الطرقات أفخاخاً خطيرةً قاتلة، تَختفي تَحت مياهها المطبات العالية والريغارات المفتوحة والقنواتُ الفاغرة والحفرُ اللئيمة والأخاديدُ المؤذية والمصارفُ المسدودة التي تَجعل الطرقاتِ بُحيراتٍ تعيق المواطنين عن بلوغ أعمالِهم أو بيوتِهم بأمان، فيما الدولة، مثل المغفور لها مرتا، مشغولةٌ بأمورٍ كثيرةٍ والمطلوب واحد، أن تكون دولة تَحمي المواطنين لا دولةً تنصب أفخاخاً لِمواطنيها.
معظم المواطنين يسافرون الى الخارج، الى دول العالم الْمتحضِّرة، ويعبرون طرقاتها شتاءً ولا يفاجأُون ببحيراتٍ على الطرقات، ولا بأفخاخ قاتلةٍ تتركها الدولة وتنشغل بأمور أخرى غيرِ الاهتمام بشؤون المواطنين.
أما أن يكون لبنان وطناً للصيف وحسب، فلْتعلنِ الدولة أنها تستقيل من واجباتها شتاءً، وأنَّ لبنانَ في الشتاء غيرُ صالحٍ للتجوُّل على الطرقات، لأن الدولة أعجز من أن تتغلب على بُحيراتٍ طَوَفانيةٍ مهما علا طَوَفانها يظلُّ أخفَّ من طوفان السباب والشتائم والغضب الذي يكنُّه الْمواطن للدولة كأنها دولةٌ عدوّةٌ لا دولةٌ أُمٌّ تَحتضنه وتَحميه من أخطارٍ أقلُّها خطرُ أفخاخ الطرقات الشتائية.