الحلقة 182: انطباعاتٌ من الصين (الجزء السابع): على أَقدام سور الصين العظيم
(الثلثاء 26 تشرين الأول 2004)
منذ وصولنا الى الصين، ونحن نسمع بإجلالٍ عن “السور العظيم”، ونتلهّف لزيارة “السور العظيم”، ونقرأ منشوراتٍ كثيرةً عن “السور العظيم”.
وليس هذا مستغرَباً عمّن يعرف أن “سور الصين العظيم” هو من عجائب الدنيا السبع.
كان الباص يسير بنا الهوينا على طريق بكين السريع، حين فجأَةً صرخ بنا “يو” السائق الشاب: “ها هو”. والتفتْنا جميعُنا، فإذا نَحن أمام هيبة هذا السور العظيم الذي يلف في الصين خمسة آلاف كيلومتر. وراح الباص يسير بنا، يسير، والسور حولنا على العلوات والتلال ورؤوس الْجبال أمامنا في البعيد، حتى إذا وصلنا الى أحد مداخله، فُوجئنا بصفٍّ طويلٍ جداً بادرتْنا إزاءه دليلتنا جوليا أننا اليوم مَحظوظون إذ السياح أقل من أي يوم آخَر.
أقلُّ؟ وانتظرنا نحو ساعة حتى وصل دورُنا وارتقينا أولاً بالتلفريك فوق وادٍ مهيب، ثم سيراً في أدراجٍ طويلةٍ عاليةٍ كأنها درج الى السماء، حتى وصلنا لاهثين متعبين الى إحدى مَحطات الاستراحة الكثيرة، وتسنّى لنا منها، من فوق، على علوةٍ شاهقة، أن نتأمّل هذا السور العظيم فعلاً، الْمَهيبَ فعلاً، الْمُعجِزِيَّ فعلاً، بَنَتْه سلالاتٌ وسلالاتٌ لصدّ الهجوم والعدوان، متصلاً بعضه ببعض على امتداد خمسة آلاف كيلومتر، متناسقَ الهندسة كأنْ بناه معمرجيٌّ واحد في يوم عمل واحد.
ولا حاجة لإحصاء مئات آلاف السياح يزورون أبوابه الكثيرة يومياً، ويرتقون علواتِه يومياً، مؤمّنين للدولة يومياً مدخولاً سياحياً هائلاً بملايين الدولارات ومنعشين خزينة الدولة بدخل يومي كبير.
في آخر النهار، انْحدرنا من عَلْوَة السور العظيم، فَرُحْتُ أُفكّر بِما عندنا من معالِمَ يُمكن أن تكوّن مدخولاً سياحياً للدولة، لكنّ الدولة، كالست مرتا، مشغولةٌ عن الناس وشؤونهم، بأُمورٍ كثيرةٍ أهمَّ من الناس وشؤونهم، بينما الْمطلوبُ واحدٌ: أن تكونَ… دولة.
والى اللقاء غداً في انطباعٍ آخرَ من هنا، منَ الصين… إليكم بيروت.