الحلقة 181: انطباعاتٌ من الصين (الجزء السادس): مدينةٌ مُصَغَّرة لسنوات كبيرة مُقبلة
(الإثنين 25 تشرين الأول 2004)
حين قرأْتُ في البرنامج الْموضوع لنا عن زيارة “مركز شانغهاي لِمعرض التخطيط الْمُدني”، تَهَيَّأ لي أننا سنسمع مُحاضراتٍ تنظيريةً مُمِلَّةً في مشاريعَ لا تزال على الورق وتنتظر التنفيذ.
وما كان أكبر سذاجتي حين تهيَّأَ لي ذلك. لكنّ عذري أنني آتٍ من دولةٍ تكثر فيها الْمشاريع على الورق وتبقى على الورق، وسرعان ما يذهب أصحابُها كذلك، لأنهم في معظمهم ناسٌ من ورق.
وصلنا الى الْمبنى، البهيِّ الأناقة، كمعظم شواهق شانغهاي، وكانت البطاقات بانتظارنا. فكل مَعْلَمٍ هنا موظَّفٌ سياحياً ويزيد من موارد البلدية التي بدورها تزيد من مورد البلَد.
ودخلْنا، فإذا نَحن أمام مدينةٍ كاملة مصغَّرةٍ، تنبسط على مساحة ستمئة متر، بشوارعِها وأبنيتِها وشواهقِها ومساحاتِها الْخضراء وأنهرِها ومينائها، يطل عليها السياح من فوق، ويصغون الى “وو لي” (الصينية الشديدة التهذيب الأنيقة التعبير الإنكليزي) تشرح بضوء الليزر الأحمر كل تفصيلٍ عما ستكون عليه الْمدينة لاحقاً: فهذا الْمشروع سينتهي عام 2008، وذاك عام 2012 وذلك عام 2020، وجميع هذه الْمشاريع بدأ العمل بِها، ويتابع فريقٌ خاص تنفيذها والالتزام بإنهاء كل مرحلة في وقتها، حتى تكون خاتمة الْمراحل على الوقت الْمحدد له في روزنامة الْمشروع.
والى هذه الرؤية الْمستقبلية في تصميم البنية التحتية للمدينة الْمستقبلية، لَحظ مُخطِّطو الْمدينة أنفاقاً تحت الأرض تتّسع حتى لدخول الشاحنات، من أجل تصليح قسطل أو أنبوب، أو ترميم شبكة الهاتف، أو بلوغ عطل على الشبكة الكهربائية، أو التحقُّق من انسداد في مَجاري الصرف الصحي أو مياه الشرب، بما لا حاجة معه الى حفر الطريق على سطح الأرض وإزعاج الْمواطنين.
لدى خروجي من مركز معارض التخطيط الْمُدني، رحتُ أفكِّر: وعندنا؟ هل مَن يُخطِّط عندنا لتنظيمٍ مُدُني في لبنان لا للأعوام 2008 و2012 و2020، بل على الأقل للعام الْمقبل، أم اننا مشغولون بالطبخات الوزارية والنيابية والْمقاطعجية الصغيرة، ونبقى على تَشَدُّقِنا الأبله بأنّ “لبنان قطعة سما” وأنْ “تحت السما ما فيه متل لبنان”؟
والى اللقاء غداً في انطباعٍ آخرَ من هنا، منَ الصين… إليكم بيروت.