الحلقة 180: انطباعات من الصين (الْجزء الخامس): العالَم يستخدم أرقامنا ونحن نستخدم الأرقام الهندية
(الْجمعة 22 تشرين الأول 2004)
لفتني هنا في الصين أن جميع اللافتات والعبارات الإعلانية في الشوارع، كما سائر الكتابات على البطاقات الشخصية وفي الصحف والكتب والْمجلاّت، هي بالْحروف الصينية، وتتخلّلُها أرقامٌ هي العربية التي نعرفُها. سألْتُ جوليا، مرافقتَنا الصينية: “لِماذا تستخدمون حروفكم الصينية، وهذه الأرقام غير الصينية؟ أما عندكم أرقامٌ خاصة بكم”؟ فأجابت: “بلى. لكنّ أرقامنا معقَّدةٌ وطويلةٌ، لذا فضَّلنا استعمال هذه الأرقام لأنها مُختصَرَةٌ ومعروفةٌ في كل العالم. إنها أرقام عالَمية”. ولم توضِح أكثر فدفعني الفضول الى تسآلها: “وما هي هذه الأرقام”؟ فابتسمت جوليا وقالت: “ماذا؟ أأنتَ تمتحنني؟ إنها طبعاً الأرقام العربية، أرقامكم أنتم، وفي الْموسوعات عندنا أنّ أَصلها فينيقي”.
وخشيةَ أن تسألني أن كنا نستعملُها في بلادنا (كما فعل أمس سائقُ السيارة حين سألني إن كان السائق عندنا يتجاسر على اجتياز الضوء الأحمر) أشحتُ بوجهي عن جوليا ورحْتُ أُفكِّر في بلادنا التاعسة، هذه التي يستعمل أرقامها العالمُ كلُّه، ولا تزال هي في جُزءٍ كبير منها تستعمل الأرقام الهندية. ولم يصدر قرارٌ حكوميٌ بعدُ كما قبل مدةٍ طويلة في شمالي أفريقيا، بالتخلّي عن الأرقام الهندية واستخدام ما تسمّى الأرقام العربية التي هي تاريخياً من أصل فينيقي، كما هو واضحٌ في أبْجدية جبيل.
التغييراتُ الْمصيريةُ عادةً، يلزمُها حاكمٌ يفرضُها فتصبح نافذةً، وبدونه لا تنفَّذُ ولو كان الشعب كلُّه مقتنعاً بها. وكما الأرقام الهندية تبدو غريبةً على كتاباتنا العربية، هكذا بدت لي غريبةً أحرفٌ صينية تستخدمها قارةٌ صينيةٌ متواضعةٌ من مليار وثلاثمئة مليون نسمة، يعني من مليار ومجموع الشعوب العربية، هم يستخدمون الأرقام العربية، ونحن لا نزال في معظمنا نستخدم الأرقام الهندية.
والى اللقاء الاثنين، في انطباعٍ آخَرَ من هنا، منَ الصين… إليكم بيروت.