الكلمة الأَحَبّ
ما الكلمة؟ مُجرَّد حروف؟ مضمونٌ ذو مدلول؟ شكلٌ ذو جمال؟ رمزيةٌ ذاتُ دلالة؟
للكلمة موقعٌ في الذات هو غيرُهُ في السوى. ترتبط بقارئها أو قائلها ارتباطاً ذا علاقة خاصة بأسباب ذاتية تختلف بين شخص وآخر.
كلمةٌ معيّنة بالذات: ماذا تعني لك؟ بِمَ توحي إليك؟ لماذا استخدامك إياها أكثر من سواها؟ لماذا تتكرّر في كتاباتك؟
هذه السلسلة: “الكلمة الأَحَبّ”، أسئلةٌ نطرحها على المعنيّين بالكلمة كي نصل الى خلاصة تحليلية عن اللغة ومدلول اللغة و”لغات اللغة” انطلاقاً من الوحدة الأولى الأساسية التي هي الكلمة.
بعد سبعة عشر جواباً من وليد غلمية وعبدالله نعمان وإملي نصرالله وأمين ألبرت الريحاني وجوزف أبي ضاهر وسلوى السنيورة بعاصيري وجوزف جبرا وزهيدة درويش جبور ومي منسّى وهدى النعماني وغالب غانم ومحمد بعلبكي وهشام جارودي وألكسندر نجار وجورجيت جبارة وغازي قهوجي وسمير عطالله، هنا الجواب الثامن عشر من الباحثة الجامعية الدكتورة إلهام كلاَّب البساط. هنري زغيب
email@henrizoghaib.com _______________________________________
_________________________________________
_______________________________________
18) إلهام كلاَّب البساط: الشَّغَف
الأربعاء 6 تشرين الأول 2010
قد تكون كلمة “الشغَف” من أغزر الكلمات دفقاً في قلبي، وأجملها رنّةً في مسمعي، وأكثرها حضوراً في كتاباتي .
منذ راح أساتذتي في المدرسة، وأهلي في البيت، يُطلقونها عليّ رديفةً لاسمي، تجذّرَت فِيّ نبعاً داخلياً تتعمّد بمائه كل توجهاتي.
“الشغَف” كلمة تحتلّ كلّ فضائي الذهني.
ما إن تقال حتى تُدخِلَني بلمحةٍ في مدارها اللولبي، تبدّل ملامح العالَم وألوانه في عينيّ، تستنفر أرهف أحاسيسي، تُشرقط في شراييني، تُنطقني بما يفاجئُ شفتَيّ ويشرّع نوافذ العقل المغلقة على شتاء سابق.
“الشغَف” يحتلُّني عندما أُباشر عملاً أحبه، عندما أَقف في الغابة بين طريقين، عندما أُلاحق فكرةً بنبض القلب، عندما أُمسك قلماً تنمو براعمُه بين أصابعي، عندما أَلتقي وجهاً إنسانياً مشرَّع الآفاق، ورحابة نظرة تشبه الموج.
هذه الكلمة دفعَت بي الى أماكن وخيارات لم أحسب لها حساباً. أوصلتْني الى ممرات صعبة الاجتياز.
أسدلَت على عقلي عقلاً آخر. حرمَتْني وكافأَتْني و أقلقَتْني.
لكنها عوّدَت يديَّ جرأةَ الدقّ على باب المجهول، وقلبي رحابةَ قبول الغرباء، وجعلت الناس والمدن والأشجار والفصول والغيوم أكثر جاذبيةً وعمقاً، والحياةَ أكثر لَهَباً وصدقاً، وجعلَتْني أكثرَ إنسانيةً وأكثرَ حباً.
لم يُحَصّـنّي العمر في منازلة الحياة من التذوُّق الشَّغوف لتحوُّلاتها.
لذا أُداري بيدَيّ هذه الشعلة المقدّسة، نفحةَ الحياة الباهرة.
أَحميها من عاديّة الناس، ومن تنازُلات الأيام الرتيبة.
أَتدفّأُ على وهجها عند تقاطُر مطر الغربة البارد على انتظارات نفسي اليقِظة.
أحياناً، في سرّي وقبل نومي، أكرّر هذه الكلمة التي أَنتشي بموسيقاها وأُقبِّل جبينَها.
لعلّها تحرس أحلامي من ملَل الأيام.
لعلّها ترعى يقظتي بالتوق الخصيب.
بلى… “الشغَف”، هي كلمتي الأَحَبّ.
___________________________________________
*) الأربعاء المقبل- الحلقة التاسعة عشرة: أنطوان مسرّة