الحلقة 179: انطباعات من الصين (الْجزء الرابع): إشارات سير وكومبيوتر للعَدّ العكسي
(الخميس 21 تشرين الأول 2004)
لَم تكتفِ دولة الصين بوضع إشارات السير الكهربائية عند كل زاوية وتقاطعٍ وناصيةٍ من شوارع الْمدن والقرى والدساكر وكل حي، بل تعمَّدت وضع عدّاد إلكتروني يعمل على الكومبيوتر مع كل إشارة ضوئية. فإذا أضاء الضوء الأحمر للوقوف، يضيء العداد الإلكتروني بالأحمر بادئاً بالثانية الْخمسين أو الأربعين أو الثلاثين، وفق ضغط السير في كل مدينة، ويروح العدّاد أمام السائقين، وحَدّ الضوء الأحمر في عَدٍّ عكسي حتى يبلغَ الصفر، فيضيءُ الضوء الأخضر وحَدَّه يضيء العداد بالأخضر بادئاً بالثانية الْخمسين أو الأربعين أو الثلاثين، وفق ضغط السير في الشارع، فيعرف السائق الْمقبل في اتّجاه الْمفرق كم ثانيةً يتبقى له كي يَجتاز الشارع أو يستعدَّ للوقوف، ويعرف السائق الْمتوقّفُ على الضوء الأحمر كم يتبقّى له من الثواني كي يستعدّ للإقلاع في الاتّجاه الذي يريد.
وطبعاً، حين يضيء الأحمر، يعبر السائقون على الأخضر من الْجهة الْمحاذية بكل أمانٍ، ليقينهم أن لن يَمُرَّ أحد من الطريق الْمتقاطع الْمفروض أن إشارته حمراء، وحين يضيء الأخضر يعبر من يَحقُّ لهم العبور مطمئنين أن لن تقفز سيارة معترضةٌ من الْجهة المفروض أن ضوءَها أحمر.
سأَلْتُ السيد يو، سائقَ السيارة التي كانت تُقِلُّنا: “ما قيمة الْمخالفة إذا عبَر سائقٌ على الضوء الأحمر”؟ فاستهجن سؤالي وقال باستغراب: “لا أعرف. لَم أفَكّر بهذا مرةً في حياتي. لِماذا؟ هل في بلادكم من يعبر الطريق على الضوء الأحمر”؟
بلعْتُها وتظاهرْت بعدم سماعيَ السؤال، وأدرتُ وجهي صوب بوليس سير، أعجبني فيه أنه واقف متأَهّباً كأنّ كلَّ وجهه عيون، ولفتَني أنْ ليس في فمه علكة، ولا في يده مسبحة يطقطق بها، ولا على أُذنه خَلَويٌّ يتحدّث به وهو ساهٍ لاهٍ عن السيارات أمامه.
والى اللقاء غداً في انطباعٍ آخَرَ من هنا، منَ الصين… إليكم بيروت.