24 تموز 2007 العدد 12265 السنة 36
جاءنا الخبر في بساطة: “صرّح المحامي جان فيل (وكيل الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك) بأن موكله سيدلي بإفادته (ربما قبل 15 أيلول/سبتمبر المقبل) للتحقيق القضائي في ملف اكتشاف وظائف وهمية فترةَ كان شيراك رئيس بلدية باريس، تَمّ خلالها دفع رواتب لموظفين من دون وجه حق. وهي قضية تضاف الى ملفات سياسية مالية أخرى ورد فيها اسم شيراك (خلال رئاسته بلدية باريس وحزب التجمع من أجل الجمهورية) وصدرت أحكام فيها على مقرَّبين من الرئيس”. وعن المحامي فيل أن الملف من 15 مُجلّداً يبلغ واحدها 2000 صفحة، ما يعني أن مُجمل الملف يبلغ 000 30 صفحة.
بساطة الخبر الطبيعي (من المنظار الأوروبي) مزدوجة: الأولى أن شيراك أصبح اسمه “الرئيس السابق”، والأُخرى أنه بات اليوم مواطناً عادياً بعدما كان يتمتَّع خلال فترة حكمه بالحصانة الرئاسية.
والبساطة أيضاً أنّ هذا الأمر طبيعي جداً من المنظار الديمقراطي العالمي في الدول المتمدنة، ولو انه تجاوز ذلك إبّان حكْم الرئيس الأميركي بِل كلينتون حين سيق الى المحكمة ليدلي بإفادته في قضية “الآنسة” مونيكا لوينسكي “ذات الصون والعفاف”.
لا تعنينا نتيجة شهادة شيراك في المحكمة، ولا نتيجة الحكْم الذي سيصدر عليه (بريئاً خرج أو متهماً)، بقدْرما يعنينا هذا الاحترام الديمقراطي لا للحاكم نفسه بل للشعب الذي بفضله وصل هذا الحاكم الى سدة الحكْم، وحين انتهت ولايته واختار الشعب خلفاً له، عاد مواطناً عادياً لا حصانة تَحرُزُه من الوقوف في قوس المحكمة، واقتبال حكْم قضائي يفرضه القانون.
الشاهد: أين نحن، في منظومة الدول العربية الشوساء، من هذه الديمقراطية التي لا ينفكّ الحكّام العرب يتشدَّقون بها ويكررونها في خطبهم وبيانات يلقونها “باسم الشعب” ويُمنّنون الشعب بأنهم يعملون لأجله ويسعون الى تأمين مستقبله الأفضل؟
وكيف نتصوّر اقتبال الشعب العربي خبراً من طراز مُحاكمة شيراك (وقبلها محاكمة كلينتون) وهو يرى على نافوخه حُكّاماً أعلى من المحاسبة وأرفع من القانون و”أسمى” من القضاء؟
وما يسري على الحاكم يسري كذلك على الوزراء والنواب وكبار المسؤولين المحميين من الحاكم أو من حاشية الحاكم. فنادراً ما علمنا بمحاسبة وزير (كما يحصل حالياً في الكويت، وهي بادرة متقدمة جداً)، ونادراً ما علمنا بإسقاط ولاية نائب (كما حصل قبل سنوات في لبنان، ولكن بكيدية مدعومة من أولياء العشيرة)، ونادراً ما علمنا بمحاكمة مسؤول (كما جرى في لبنان أيضاً عند سجن وزير وسجن نائب وتوقيف مسؤولين كبار في الحكْم). وهذه جميعها استثناءات في أوقيانوس عربي أوتوقراطي.
ولكن… إذا جاءت المحاسبة من الحاكم (وهي عادية وطبيعية وضرورية، لضبط الأمور في مسؤوليات ولايته)، فمَن يُحاسب الحاكم حين يصدر القرار عن المحكمة باسم الشعب من دون ضغط خارجي (حالة صدام حسين في العراق نموذجاً)؟
الديمقراطية ليست نموذجاً غربياً يطالب به متنوِّرون يريدون التمثُّل بالغرب ويرفضه متعصبون ضدّ الغرب. إنها نهج حياة هو من حق الشعب الذي يوصل حكامه الى مراكزهم، وعندنا يلتصق الحكَّام بالمراكز ولو لم يعد يريدهم الشعب.
والديمقراطية ليست فصلاً في جامعة يدرسه الطلاب، ولا مقالاً في مجلة يدبِّجه كاتب، ولا قطاعاً على العرب أن يظلُّوا يتحدثون عنه متحسِّرين بأنه “يحدث عند سوانا”.
الديمقراطية علامة آتية من المستقبل، وهي من حق الشعب حين يبدأ الشعب بسؤال: “والحكَّام… من يُحاسبهم”؟