الخميس 24 شباط 2000
– 137 –
مبروك لـ”المجلس الاقتصادي الاجتماعي” مجلس إدارته الجديد، وخروجه (أخيراً) من عنق الزجاجة.
وكنا باركنا، قبل فترة، لـ”المجلس الوطني للإعلام” خروجه إلى النور وانطلاقه في عمله ووظائفه.
هكذا، إذاً تتكاثر المجالس والمراكز المفترض أنّ فيها “مطبخ” عمل تتمِّمه الوزارة المعنية وتشرف عليه. فكما عندنا وزارة للتربية، ثمة المركز التروبي للبحوث والإنماء، وفيه تتم “المشاريع التربوية لتقوم بتنفيذها الوزارة. وكما عندنا وزارة للسياحة، ثمّة المجلس الوطني للسياحة، وفيه يتم “طبخ” التحضيرات السياحية لتقوم بتنفيذها الوزارة. وكما عندنا وزارة للإعلام، ثمّة المجلس الوطني للإعلام وفيه تتم تهيئة شؤون الإعلام لتقوم بتنفيذها الوزارة. وكما عندنا وزارة للاقتصاد والصناعة والتجارة وأخرى للشؤون الاجتماعية، بات عندنا المجلس الاقتصادي الاجتماعي المفترض أن يتم فيه “طبخ” مسائل اجتماعية واقتصادية تقوم بتنفيذها كل وزارة معنية.
والآن، ماذا بعد؟ الآن، يفترض أن يكون دور المجلس الأعلى للثقافة. فكما عندنا وزارة للثقافة، يفترض أن يكون عندنا مجلس أعلى ودراسة ميزانياهتا، لتقوم بعدها الوزارة بالتنفيذ. أو هكذا يفترض، أو هكذا يجب أن يكون جاء في منطوق تشكيل هذا المجلس الأعلى للثقافة الذي، على ما يبدو، نص عليه مرسوم إنشاء وزارة الثقافة.
لا يجوز الاستمرار بالحالة الثقافية على ما هي اليوم. فالوزارة (عدا وزر اسناد وزارتين كُبْرَيَيْن أخْرَيَيْن إلى وزيرها الحالي)، لا يمكن أن تكون هي الافتكار وهي التنفيذ معاً. فلا الوزير في وارد وضع المشاريع (لانشغالاته التي تفوق كل طاقة بشرية، ولكونه إجمالاً من غير الوسط الثقافي الإبداعي، بل هو نتيجة حسابات سياسية لدى أهل الحكم)، ولا المدير العام في وارد التخطيط والتنفيذ معاً (هو العموّل عليه إدارة شؤون الوزارة والسهر على حسن تنفيذ سيرورتها وحساباتها ومصاريفها، ومن هنا اختياره من كبار المتمرسين في حقل الإدارة والائتمان على المال العام).
ما الذي يبقى؟ يبقى قيام مجلس أعلى للثقافة، لا يكون أعضاؤه إلاّ من أهل الثقافة الإبداعية، في مختلف شؤون الإبداع، يكون له تخطيط المشاريع الثقافية المحلية والخارجية، والاتصال بالمثقفين، ودراسة دعم أعمالهم ومتابعة شؤونهم الفنية والثقافية، لأن أعضاءه هم أهل البيت من أسرة الثقافة والفن، وتالياً هم ضليعون بشؤون رفاقهم وهمومهم وتطلعاتهم، وبعدئذٍ يركن الوزارة موضوع التنفيذ والتمويل حين يقنعها المجلس بضرورة تلك المشاريع، فيناقشها مع المدير العام الذي، في حال اقتناعه الذي يحمل منها ما يجب حمله إلى مجلس الوزراء، أو يوافق على ما يدخل في صلاحيته وحده الموافقة عليه.
هكذا يشعر المثقفون أن ليدهم في المجلس الأعلى للثقافة مرجعاً محترفاً يعودون إليه، فتصبح الوزارة واحة ممتازة لهم، عوض أن تكون محط انتقاداتهم، وهي أصلاً ليست المصدر المسؤول عن موضوع تلك الانتقادات.