26 حزيران 2007 العدد 12237 السنة 36
حين كان القائم بالأعمال الكويتي، قبل أيام، يسلّم المسؤولين اللبنانيين سياراتٍ مُجهزةً قدّمها الهلال الأحمر الكويتي إلى الصليب الأحمر اللبناني، كان قلب اللبنانيين يرتقص غبطةً لوفاء كويتي لم يَغِبْ يوماً عن لبنان.
وما إِن أعلنت الحكومة اللبنانية مؤخراً عن تعهُّدها إعادة بناء مخيم نهر البارد (بعد انتهاء العمليات العسكرية التي يبرّز فيها جيشنا اللبناني الرائع البطولة) حتى بادرت دولة الكويت إلى تقديم معونة مالية من ملايين الدولارات إلى الحكومة اللبنانية.
وتصدف أن كنت نهار الأحد الماضي لدى صديق لي في صوفر، وخرجنا إلى شرفة بيته المطلة على وادي لامارتين، فاستراحت عيوننا على قصر جميل أنيق، تظلِّله أشجار وتسوّره حديقة جميلة. سألت عنه صديقي المضيف فبادرني أنه لسيادة الأمير ناصر الخرافي، صاحب اليد النبيلة على مشاريع عمرانية وتنموية كثيرة في صوفر ومناطق أخرى من لبنان.
وفي الصيف الماضي، بعد سعير الاعتداء الإسرائيلي على لبنان جسوراً وطرقاتٍ ووقْف حركة سياحية واقتصادية في بيروت، وفور أعلنت الحكومة اللبنانية عن عزمها على تفعيل الحركة في وسط العاصمة، وصلت صباحاً إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت طائرة كاملة تحمل سيدات كويتية أمضين بضع ساعات في وسط بيروت، تَبَضُّعاً، وغداءً في مطاعمه، وجولةً على مَحالّه وشوارعه الجميلة، ثم عُدن مساءً إلى الكويت في بادرةٍ منهن للمساهمة في تحريك دورة اقتصادية كانت تحتاج إلى بدء تحريك.
ويروي نقيب الصحافة محمد البعلبكي أنّ النقابة، وهي في طور تأْسيس مقرّها (الحالي) وتأثيثه، تلقت مساعدة كويتية ساهمت في الإسراع بإنجاز تهيئة المقر لتدشينه.
وعن صديق لي مهندس لبناني أمضى سحابة ربع قرن في الكويت، وعاد ينشئُ مشروعاً عمرانياً في بحمدون، أنّ معظم أبنية مشروعه اشتراها هذا العام كويتيُّون ينوون سنوياً تمضية فصل الصيف في لبنان.
وأيام الصيف، حين أجيء من بيتي في رأس المتن أزور أصدقاء في بحمدون وبعلشميه وحمانا وصوفر ومصايف أخرى معلّقة على جناح موّال لبناني جميل، يلفتني حضور كويتيين يصحبون عائلاتهم ويأتون لتمضية أسابيع سائغة في صيف لبنان.
هذه البوادر النبيلة (وسواها كثير ليس يُحصى) لا تقتصر على الإسهام المادي أو السياحي وحسب، بل الأساس فيها منبَعُها: رابط عاطفي نقي بين أهل الكويت وأهل لبنان، عاينـتُه مؤخراً، منذ أخذتُ أَنشر مقالاتي الأُسبوعية في “القبس” وبدأتُ أتلقّى (خصوصاً حين يكون مقالي عن لبنان) رسائل على عنواني الإلكتروني أدناه، تشير كتاباتها في نبل وإخلاص وتضامن إلى الرابط العاطفي بين الكويتيين واللبنانيين، لكأنّ ما يجري في لبنان اليوم (ومنذ فترة) يوجعهم في القلب كما يوجع اللبنانيين، وهو ما يتلقّاه اللبنانيون نبضة وفاء تجاه الكويت التي هبَبْنا إليها يوم اجتاح العراق أرض الكويت فكان عميقاً وجعُنا، وعالياً غضبُنا، على ما حلّ بإخواننا الكويتيين من تنكيل وتشريد وأذى جسدي ونفسي وقومي.
في الملمات الجسام، تعرف صديقك المندفع، من ذاك الحيادي أو الانتفاعي.
الفضل يعرفه ذووه؟ والوفاء يعترف به أهلوه. والكويت، في أيام لبنان العصيبة، نبلٌ متجسِّد في دولة، أُخُوَّةٌ متجسِّدة في أهل، وسنَدٌ متجسِّد في بلاد.
طوبى لنا بهم، إخواناً لن يفيهم، كلاماً، سوى تَحيّة وفاء نرسلها نابعةً من لَمسة حب على أهداب ريشة.