هنري زغيب
مع أَواخر هذا الشهر، وقبل نهاية العام الحالي، يَصدر الكتاب الستُّون مختتِمًا حصةَ “كرسيّ معهد العالم العربي” من مشروع “مئة كتاب وكتاب”، متوِّجًا تحقيقَ فكرة رائدة جسرًا ثقافيًّا كانت خاطرةً في بال منشئي المشروع يوم وقعوا عليه في ﭘـاريس صبيحة الثلثاء 20 تشرين الثاني (نوڤـمبر) 2018.
يومها أَطلقَت جائزة الملك فيصل العالمية مشروع “مئة كتاب وكتاب”، تعاوُنًا مع معهد العالم العربي، لــ”تعزيز التبادُل الثقافي والتفاعُل المعرفي بين الثقافات، بإِصدار مئة كتاب وكتاب: 60 منها بالفرنسية و40 بالعربية، يضعها باحثون اختصاصيون ونقاد ودارسون وعلماء عرب وفرنسيون، إِسهامًا في تنمية التواصل بين الثقافتين الفرنسية والعربية”.
انطلاق المشروع
تمَّ تكليفُ 100 مفكِّر: بعضهم يخاطب العرب بفكر فرنسي، والبعض الآخر يخاطب الفرنسيين بفكر عربي، تنويرًا واسعًا على الفكر والتراث العربيَّين، يساعد على إِلغاء صورة نمطية غالبًا ما تشوِّه جوهر ذينِك الفكر والتراث، ويُبرزُ 100 علَم (40 فرنسيًّا و60 عربيًّا) أَسهموا بنتاجهم، عربيِّه والفرنسي، في تطوير الحوار الحضاري والتفاعل بين دول ضفَّتي المتوسط فيتكامل نشْر المعرفة تواصُلًا مع الثقافات والحضارات المختلفة، وتعريفًا بالثقافة العربية.
ومع تكليف “مدير كرسي معهد العالم العربي” الطيّب وُلد العروسي متابعةَ المشروع في ﭘـاريس، تم الاتفاق على توحيد حجم الكتب: 128 صفحة، 60 صفحة لبحث المحاور في العلَم المكتوب عنه، وتتوزع الصفحات الباقية على مختارات من نتاجه، ومقتطفات مما قيل فيه، وختامًا بيبليوغرافيا مفصلة. واختير بين فرنسا والعالم العربي أَعلامٌ من بداية القرن التاسع عشر حتى اليوم، لــ”رصد رواد الفكر والتنوير في العالم العربي والأُوروﭘـي، بينهم مبدعون غابوا وظلُّوا شبه مجهولين رغم ما تركوه من إِسهامات جديرة وعطاء وفير وإِنتاج قيِّم. لأَجل ذلك تشكَّلت لجنة تنظيميّة من جاك لانغ (رئيس معهد العالَم العربي)، ومُعجب الزهراني (المدير العامّ للمعهد منذ 2015)، والطيّب ولْد العروسي (مدير كرسي معهد العالَم العربي).
النهج والمعيار
في اتصالي مُطَوَّلًا بالطيِّب العروسي أَوضح لي أَن المعيار في الكتُب الستين بالفرنسية: “أَن يكون العلَم المكتوب عنه دَرَس في فرنسا (سهيل إِدريس نموذجًا) أَو كتَب بالفرنسية (أَندريه شديد نموذجًا)، وأَن يوضعَ الكتاب عنه مطابقًا أَهدافَ معهد العالم العربي ورؤْيته وأَساس إِنشائه ورسالته: تقديم الثقافة العربية في وجوهها الأَكثر إِشراقًا وحداثةً، ومدُّ الجسور بين فرنسا والعالم العربي بمشاريع يقوم بها المعهد، كهذا المشروع الرائد الذي يكشُفُ ما قدَّمه روادُ الفكر والتنوير الفرنسيُّون تعريفًا بالثقافة العربية، وتَوازيًا ما قدَّمه روادُ الفكر والتنوير العربُ لتعريف العالم العربي بالثقافة الفرنسية”.
وعن “الكرسي” الذي يديره، أَوضح لي العروسي أَنه “تأَسَّس سنة 1991 لمعالجة مختلف القضايا الفكرية والثقافية، وللإِسهام في إِثراء المشهد الثقافي والفكري، وفي تجديد الفكر العربي المعاصر وتحديثه بمبادرات لتطوير برامج ثقافية موجَّهة إِلى العالم العربي. وفي مفهوم هذه الرؤْية بالذات نشأَ مشروع “مئة كتاب وكتاب”، للكتابة عن 100 شخصية عربية وفرنسية، بشراكة مع أَمانة جائزة الملك فيصل العالمية وكرسي معهد العالم العربي”.
المجموعة باللغتين
في المجموعة كتُبٌ تَصدُر بالعربية عن مفكّرين فرنسيّين غير معروفين تمامًا لدى قرّاء العربيّة، يُطلقُهم هذا المشروع فيتعرّف إِليهم القارئُ العادي بأَقلام باحثين عرب مختصّين بفكر أُولئك المفكِّرين.
وفي المجموعة، تَوازيًا، كتُب تصدُر بالفرنسية وضَعها 60 اختصاصيًّا عربيًّا عن مفكرين عرب لتعريف القراء الفرنسيين بهم، وبمقتطفات مترجمَة من أَعمالهم. وبينهم: عبد الرحمن الكواكبي، رفاعة الطهطاوي، علي عبد الرازق، طه حسين، محمد أَركون، أَدونيس، عبدالرحمن بدوي، عبدالكبير الخطيبي، فهمي جدعان، هشام جعيط، حورية سي ناصر، أَمينة رشيد، مصطفى صفوان، جورج طرابيشي، محمود درويش، جورج قرم، عبد اللطيف اللعبي، شاكر حسن آل سعيد، يوسف شاهين، كاتب ياسين.
وبين اللبنانيين: بطرس البستاني، أَحمد فارس الشدياق، مي زيادة، أَندريه شديد، جورج شحادة، صلاح ستيتية، سهيل ادريس، نضال الأَشقر، أَمين معلوف.
وتَصدر الكتُب بالصيغتَين: الورقية العادية، والإِلكترونية الأَكثر توزيعًا وانتشارًا عالميًّا لقراءتها على شبكة الإِنترنت. وأَكثر: يمكن تحميلُها مجَّانًا وطباعتُها وحفْظُها، وهذا بين أَسمى ما في هذا المشروع من عملٍ رساليَّ لنشر الثقافة المعرفية.
مقدمة لبدء المسار
تتصدَّر كلَّ جزء من الكتب المئة مقدمةٌ عامة، بتوقيع معجب الزهراني وعبدالعزيز السبيل، بين ما جاء فيها:
“صدورُ هذه الكتب وفاءٌ وتكريمٌ كوكبةً علْميةً ذاتَ آثار استثنائية وضعها وسطاء ثقافيون كرَّسوا حياتهم لتطوير المعرفة، فطبعوا عصرهم بالتجديد، مواصلين تقليدًا علْميًا وإِنسانيًّا في سبيل الفهم المتبادل والتوافق والتعاون بين البشر. واختيار 60 شخصية عربية وأَربعين شخصية فرنسية هو ثمرة تفكير مدروس طيلة أَشهرٍ بين أَعضاء لجنة علمية مشتركة تولَّت تقديم منصةِ أَعلامٍ يمثلون كلَّ قطاع وتيار فكري عبر مختلف العصور. وهي طبعًا لائحة غير تامَّة ولا نهائية، ولا تحيط بجميع الشخصيات، لكن الانتقاء القاهر يفرض ذاته، مع أَسَفِ أَن نضحي بآلاف مؤلِّفين آخَرين يستحقُّون أَن يكونوا في هذه الثريا الجميلة. نكتفي حاليًّا بتقديم هذه الكوكبة من المؤَلفين، لفتح هذا المسار الذي نأْمل أَن يواصلَه بعدنا ناشطون آخَرون”.
الفكرة الرائدة تلقى مُـمَوِّليها
“فتْح المسار”؟ صحيح. هنا البدءُ وهنا الريادة: في كل فكرة جديدة للانفتاح الحضاري، وفي كل مشروع ذي نفع عميم. المهم إِيجادُ فكرةٍ ذات رؤْية، وابتكارُ بلْوَرتها بتشبيك مجموعة أَفراد ومؤَسسات لا بُدَّ أَن تساهمَ وتشاركَ وتموِّلَ حين الفكرةُ واضحةٌ وسليمةٌ ونبيلةُ الهدف، ذاتُ رسالة سامية وغاية صالحة، وأَصالة في تنفيذها لتعميم فائدتها. عندئذٍ يجد المعنيُّون المخْلصون أَن في تراثنا الغني مادةً لا لــ100 كتاب وكتاب فقط، بل على الأَقلّ لــ1000 وكتاب وكتاب عن أَعلامنا الذين غابت شمسهم ذاتَ غُروب، وما زالت أَشعتُها تشرق علينا، وترفدنا كل يوم بالحصاد المبارك.
كلام الصُوَر
- شعار معهد العالم العربي
- شعار جائزة الملك فيصل
- تقرير كرسي معهد العالم العربي
- شعار مشروع 100 كتاب وكتاب
- من المجموعة: كتاب عن محمد أَركون
- من المجموعة: كتاب عن آسيا جبَّار