27 آذار 2007 العدد 12146 السنة 36
يتوالى في بيروت تَحويلُ مؤتمرات وندوات ولقاءات ومعارض اقتصادية وصناعية وسياحية إلى عواصم عربية “بسبب الوضع الراهن في لبنان” (كما يُعلِن منظّمو تلك الفعاليات) “آسفِين لِما يَجري في بيروت”.
هذا الأمر الذي يصدم الشعب اللبناني ويَهُزّ الوسط الاقتصادي والسياحي اللبناني، قلما يهُزّ سياسيين من لبنان ليسوا فقط هم سبب “الوضع الراهن في لبنان” بل لا يزالون يُوغلون في عنادهم وكيدياتهم وسلوكهم الإحادي (بِما وراءه من أيدٍ خفيّةٍ خارجية تُحرّك خيطانهم فتجعلهم دمى لا خيار لها ولا قرار).
والذي يدفع الثمن الموجِع هو الشعب اللبناني الذي هو الآخر أضحى مشلولاً تائهاً بلا خيار ولا قرار، وينتظر مبادرات دول أُخرى لإيجاد حل ينقذ بلاده.
العواصم العربية التي تَحُلّ بديلة عن بيروت في هذه الأنشطة الحيوية النازحة إليها، مبروك لها مرّتَين: أُولى لأنها تستقبل تلك الأنشطة، والأُخرى لأنّ فيها حضورَ دولةٍ حازماً، وحُكْماً حاسماً، ونظاماً متماسكاً لا يسمح بالانهيار الذي يشهده لبنان اليوم على مستوى السلوك السياسي والخطاب السياسي والموقف السياسي المرتَهِن لها هنا وها هناك من دول الخارج.
ولكنها عائدةٌ، بيروت، ولن تَبقى مُحاصَرَة بِخيام معتصمين ولا بكيديات أهل حكم وأهل معارَضة.
عائدةٌ لأنها بيروت التي لا تموت.
عائدةٌ لأن العرب يُحبّون بيروت. بيروت واحتهم. بيروت سياحتهم. بيروت ملجأهم. بيروت منبرهم. بيروت مَرناهُم حتى إذا انقشعت عنها هذه الغيمة المظلمة الظالمة الظلاَّمة توجّهوا إليها بفرح العودة إلى الواحة المنتظرة (والكويتيون، بعد حرب الصيف الماضي، خيرُ دليلٍ نبيلٍ على شعب شقيق مُخْلص لوفاءاته) لأنهم يعرفون أن الموجة التي تجتاح اليوم بيروت ليست سوى عابرة تطال زبد بيروت ولا يُمكن، مهما طال ظُلْمُها، أن تطال لؤلؤ بيروت الكامن في عمق الأصالة.
وعائدةٌ بيروت، لأنها العاصمة الوحيدة التي انْخسفت تسع مرّات بالزلازل وعادت من أشداق البحر آفاق الحياة.
عائدةٌ لأنها ابنة الحياة، والحياة تلوي ولا تنكسر، تنحجب ولا تَختفي، تَنكفئ ولا تزول.
والذين (من الطقم السياسي في بيروت) سبّبوا لها ما هي عليه اليوم، هم الذين ينكسرون ويَختفون ويزولون. وبات العالم كله يعرف أن لبنان سجين مواقف سياسيين فيه مرتَهِنين لارتباطاتٍ خارجية تَجعلهم ضالعين في مواقفَ تسلخهم عن جذور شعبهم وترميهم في مستنقع ارتباطاتهم المشبوهة الولاء والفاقدة الوفاء.
فبقاء الأوطان لم يكن يوماً بفضل سياسييها وحسب، بل بأصالة شعبها المنتمي إليها، الطالع من جذور مؤصَّلة العراقة.
وهكذا شعبي المؤصَّل، شعب لبنان.