هنري زغيب.. إن حكى
هل التفت أحد من السادة المختصين بالشأن الثقافي إلى عبقرية هذا الشاعر الولهان عشقاً بالكلمة؟
هل التفت أحد من الشعراء المعاصرين إلى بلاغته في صياغة النص الأدبي المتغلغل في خفايا الذاكرة؟
بالطبع لأ، لأننا في زمن استهلاكي تشوبه الصورة المبتذلة الساقطة الرخيصة، صورة الإباحية والعربدة.
هل فكَّر وزير في وزارة الثقافة بتكريمه والغوص في مكانته الإبداعية؟ بالطبع لا.
هنري زغيب حبة لؤلؤ، رحلة غنية بالفكر، من خلاله عشقتُ سعيد عقل وللقصة تكملة. في أثناء انقطاع التيار الكهربائي وبسبب كلفة الإشتراك بالموّلد الكهربائي، فضّلتُ البقاء على ضوء القنديل. ولما تحملت مسؤولية إصدار مطبوعتي “الكاميرا” عدتُ تلميذاً يستمتع بالقراءة. ذات يوم أهدتني الإعلامية ريما نجم كتاب “سعيد عقل إن حكى” بنص المبدع هنري زغيب. بدأت قراءته وأنا متعب جسدياً ونفسياً. في المقطع الأول بدأت أتنفس نفَساً غريباً، وبدأَتْ روحي تستنشق عبيراً توغل إلى أضلعي كأنني أدخل غيبوبة فكرية تعزف على أوتار نحاسية، كل كلمة فيها لها رنة مختلفة. فما أروع الصياغة تحت أنامل هذا الشاعر، أنا المفتون بصوت فيروز، الناسك في أغانيها يخلع ثوب الانطوائية مبحراً عبر هذا الكتاب نحو مروج أخرى من الفكر فيها سنابل الشموخ والعزة والكبرياء.
هنري زغيب شاعر الخصوصية المطلقة، الكلمة الرنانة الموسيقية، الشاعر الأنيق في وفاء الزمن، المفكر الذي دخل التاريخ عبر سعيد عقل.
هنري زغيب المعلّم الآتي على صهوة الحبكة الأدبية. كم شعرت بالخزي والعار ونحن ندعي الثقافة والمعرفة. أدب وشعر هذا الأديب من بلدي، جعلني أعود تلميذاً في الصف الإبتدائي في عالم المعرفة، جعلني أقرأ تاريخي الفينيقي القديم بإمعان، وكم تمنيت أن يبقى التيار الكهربائي مقطوعاً علني أبقى هائماً في وجدان هذا الشاعر. خائف أنا أن تدور عجلة الزمن ويلفّ الدخان عبقرية هذا الشاعر، وحزين أنا لأن الساسة في وطني غارقون في معاركهم الشخصية كل واحد منهم لاصق على كرسيه غير عابر بأن الوطن لا يكبر إلاّ بمبدعيه.
سيدي الشاعر: لو كانت للكلمة منطقة أو سرداب تتعشش فيه لكان على الدنيا السلام. ولكنك أنت مكرَّم دوماً في عقولنا وقلوبنا. لك منزلة الياسمين والزنبق والنرجس، وخلف هذا المشيب عظة وجدانية تتجلى في نفوسنا قمماً للوطن.
إجعل على أطراف أصابعك صباحات المدى، فلا تقرع الأجراس إلاّ للصلاة، وشعرك وحده أجراس الإيمان ومآذن التسامح.
هنيئاً لوطنٍ فيه شاعرٌ وأَديب مثل هنري زغيب.
دعيبس بلوط