في العادة حين يدخل الطبيب على مريضه، وقبل أَن يستجلي تشخيصَه، يسأَلُه: “صِفْ لي أَلَـمَك من واحدٍ إِلى عشْرة؟”.
وغالباً ما يكون الـمريضُ على أَلَـمٍ قاسٍ فيُجيب: “عشْرة على عشْرة” دليلَ بلوغ الأَلم حَداً أَقصى لا يُطاق.
وعندها يبدأُ الطبيب بالتشخيص واصفاً دواءً مناسِباً يتناوله المريض في بيته أَو على سرير المستشفى إِن اقتضى مرضُه البقاء.
المواطنُ اللبناني اليومَ مريضٌ يسأَله الوطن:”كيف تَصِف أَلَـمَك؟” فيُجيبُ المواطن:”عشْرة على عشْرة” ولكن مَن يَستجيب؟
لِـمَن يَشكو الـمواطنُ اللبناني أَلَـمه وهو بلغ أَقصى وأَقسى درجات الأَلَم “عشْرة على عشْرة” ويشتدُّ الأَلم ويشتَدّ؟
وهل مَن أَلَـمٍ لَـمْ يُلِمَّ بعدُ بالـمواطن اللبناني؟ أَلَـمُ انقطاع الكهرباء، أَلَـمُ فاتورة الـمُوَلِّدات، أَلَـمُ انقطاع الماء، أَلَـمُ فاتورة الصَّهارج، أَلَـمُ الأَمن، أَلَـمُ الخطْف، أَلَـمُ ازدحام السير، أَلَـمُ الموسِم المدرسي، أَلَـمُ الإِفادة المدرسية المتَلَكِّئَة الإِفادة، أَلَـمُ غلاء المعيشة، أَلَـمُ الخوف من وقْف الرواتب آخرَ الشهر، أَلَـمُ المياومين، أَلَـمُ الـمُلامين ويدَّعون أَنهم غيرُ مُلامين، أَلَـمُ الفضائح الطبّية والضمانية، أَلَـمُ اليأْس الناشب في نفوس المصدومين والمغبونين والمتروكين والمنسيّين والمتعاقدين والمتقاعدين والمالكين والمستأْجرين، أَلَـمُ الذين ليسوا من المحظيّين لينالوا حقوقهم الطبيعية كمواطنين…
وجميعُهم… جميعُهم جوابُهُم واحدٌ في وصْف وَجَعِهم: بَلَغَ الوجَع فيهم “عشْرة على عشْرة”.
والأَوجعُ من وجَعِهم والآلَـمُ من أَلَـمِهم، وقُوفُهم أَمام حائطٍ مَسدُودٍ بسؤَالٍ بديهي: إِلى مَن يذْهبون ولِـمَن يَشْكون أَلَـمَهُم؟
أَلِنَائِبٍ فاشلٍ عقيمِ القرار ويَسعى إِلى تَجديد نِيابَتِه؟
أَلِـمَسؤُولٍ كَهرباؤُه أَربعٌ وعشرون ساعة، وهاتفُه فاتورةٌ تدفعُها الدولة، وأَولادُه آمِنُون في جامعات أُوروﭘـا وأَميركا، وسيارتُهُ بلا جمرك وبنزينُها على حساب الـمواطن، وطبابته مَـجانية هو والـــ”مَدَام” والأَولاد؟
أَلِـــزَعيمٍ لا يَخدُم إِلاّ مَـحاسيبَ من تيّاره أَو حزبِــه أَو مذهـبِـه؟
لِـمَن يشكو الـمواطنُ اللبناني وجَعَهُ الذي بلغَ “عشْرة على عشْرة”؟
ومَن يَسمَع له إِذا شَكا أَو اشْتَكى أَو تَشاكى؟ ومَن يعالجُ أَلَـمَه الوَطنيّ الـمُواطنيّ الـمُوَطَّنَ في قلقِه على غَدِه وغَدِ أَولاده؟
ومَن يَصفُ له دواءً مُواطنياً اجتماعياً مالياً تربوياً أَمنياً يَشْفيه مِن أَلَـمِه الـــ”عشْرة على عشْرة”؟
وماذا يَنفعُ التشخيص إِن لم يَـتْـبَـعْـه الدواءُ الشافي والدواءُ ليس في حسابِ أَحدٍ من الـمَفروض أَنّ لديهم الدواء؟
ماذا يَنفعُ المواطنَ تصريحٌ سياسيٌّ يوميٌّ لـمسؤُولٍ يطالبُ يومياً بانتخاب رئيسٍ ولا من يَتقدَّم لانتخاب رئيس؟
ماذا يَنفعُ المواطنَ تصريحٌ سياسيٌّ يوميٌّ لـمسؤُولٍ يطالبُ يومياً بالأَمْن وهو جُزءٌ من الحُكْم المفروض أَن يُؤَمِّنَ الأَمن؟
ماذا يَنفعُ المواطنَ تصريحٌ سياسيٌّ يوميٌّ لمسؤُولٍ يُحاضرُ يومياً في الوطنية والمواطنية وكلامُهُ تنظيريٌّ مجَّانيٌّ لاستهلاكٍ إِعلاميّ؟
ماذا يَنفعُ التشخيصُ إِن لـم يَـتْـبَـعْـه الدواءُ الشافي؟ لا في المستشفى يجدُ المواطنُ هذا الدواء ولا في بيتِه. فأَين يذهب؟
“عشْرة على عشْرة” أَيُّها الوطنُ الـمَصلوبُ على ضمائر سياسيِّــيه.
“عشْرة على عشْرة” أَيها المواطنُ المنتظِرُ العلاجَ من مسؤُولين ليس لِـمُعظَمِهم سوى علاجٍ واحدٍ وحيد: صندوقةُ الاقتراع يومَ الانتخاب.
________________________________________