مركز التراث اللبناني: ذاكرةُ السينما اللبنانية
في سياق الاشتغال على تراث لبنان من مختلف جوانبه، عقد “مركز التراث اللبناني” في الجامعة اللبنانية الأَميركية ندوةً حول “ذاكرة السينما اللبنانية من خلال إِعلانات أَفلامها”.
افتتح الندوةَ مديرُ المركز الشاعر هنري زغيب بكلمة عن أَهمية التراث السينمائي في لبنان الذي كان سبّاقاً به بين الكثير من الدول المحيطة.
الناشر عبُّودي أَبو جودة، وهو جامع الملصقات، روى كيف تنامَت هوايته في جمع الملصقات منذ كان مراهقاً هاوياً يجمع صور الفنانين والممثلين الأجانب، ثم انتقل إلى ملصقات الأفلام المصرية لعبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ وفاتن حمامة وسواهم. وحين بدأ في مطلع التسعينات بعمله الطباعي بات يقدّر تلك الملصقات التي حافظت على ألوانها مع أنها مطبوعة بالطرق التقليدية في تلك الفترة. وأخذ يجمع الملصقات من لبنان وخلال أَسفاره في الخارج وحضوره أفلاماً في صالات السينما القديمة المحلية والمصرية، إلى أن تجمّع لديه هذا الأرشيف الغنيّ من ملصقاتٍ تبلغ اليوم الآلاف.
الباحث والناقد محمود الزيباوي عرض على الشاشة عشرات الملصقات منذ أقدمِها (1946) حتّى مطلع السبعينات بادئاً بفيلم “كوكب أميرة الصحراء” لعلي العريس (1946)، ففيلم “عروس لبنان” لحسين فوزي (1951)، و”عذاب الضمير” لجورج قاعي (1953)، و”زهور حمراء” لميشال هارون (1957)، و”إلى أين” لـجورج نصر (1957)، و”أنغام حبيبي” لمحمد سلمان مع نجاح سلام ووديع الصافي (1960). وكانت مرحلة أفلام محمد سلمان الكثيرة في فترة الستينات: “يا سلام ع الحب” (1963)، “بدوية في باريس” و”بدوية في روما” والبدوية العاشقة” )الثلاثة مع سميرة توفيق) مروراً بـ”الأجنحة المتكسّرة” ليوسف معلوف مع نضال الأشقر وبيار سلامة، و”غارو” لغاري غرابيديان مع منير معاصري، ثمّ انتقلت صباح هاربةً من مصر ودفع الضرائب فيها عائدةً إلى لبنان ومشتركةً بعددٍ كثيرٍ من الأفلام معظمها لمحمد سلمان (“عقد اللولو” صباح، فهد بلان، دُريد لَحّام)، وأفلام أخرى لسلمان كَـ”العسل المرّ” مع رندة و”الجاكوار السوداء” مع إحسان صادق، و”غيتار الحبّ” مع جورجينا رزق، وفي تلك الفترة من الستينات حقق الأخوان رحباني لفيروز وأعلام الفرقة الشعبية اللبنانية ثلاثة أفلام: “بياع الخواتم” ليوسف شاهين (1965) ، و”سفر برلك” لهنري بركات (1967) و”بنت الحارس” لهنري بركات (1968).
المُخرج جورج نصر روى في الندوة تجربته السينمائية وكيفية انتقاله من دراسة الهندسة في شيكاغو إلى دراسة السينما في جامعة كاليفورنيا- لوس أنجلس وقيامه بالتمارين والتدريب في هوليوود. وبعودته إلى بيروت تعرّف إلى المنتج أرتين تورابيان الذي آمن بموهبته الشابّة وموّل له، ولو بمبلغٍ ضئيل، إنتاج فيلمه الأوّل: “إِلى أَين؟” مع نزهة يونس وشكيب خوري وممثلين هواة وأولاد. وروى ما صادفه من مشاكل في التصوير والتحميض والدوبلاج حتى صدر الفيلم بعد 11 شهراً من التصوير والعذاب. لكنّ عزاءهُ كان أنّ جاكلين نادال ساهَمت في اشتراك الفيلم بمهرجان “كان” فكان أوّل فيلمٍ لبناني يمثّل لبنان رسمياً في هذا المهرجان الدولي سنة 1957، وذكره المؤرّخ السينمائي جورج سادول في موسوعته عن تاريخ السينما العالمية. وفي هذه الظروف الصعبة حقق جورج نصر فيلمه الثاني “الغريب الصغير” الذي هو أيضاً مثّل لبنان رسمياً في مهرجان كان سنة 1962.
الخبير السينمائي إِميل شاهين عرضَ مراحل من تاريخ السينما اللبنانية في السبعينات متحدثاً عن المركز الوطني للسينما الذي أنشأته الدولية سنة 1967، وقدّم جوائز بينها الجائزة الأولى للأفلام لفيلم “بياع الخواتم”، وجائزة أفضل مخرج لجورج نصر وجائزة أفضل ممثل لمنير معاصري عن فيلم “غارو” وجائزة أفضل ممثلة لنضال الأشقر عن فيلم “الأجنحة المتكسرة”. وعرض شاهين كيف العاملون في قطاع السينما المصرية انتقلوا إلى لبنان بعد تأميم السينما في مصر فكانت موجةٌ من الأفلام الكثيرة العدد إنّما القليلة الجودة، وروى كيف كان أركان السينما المصرية يخشون نهضة السينما اللبنانية ويُمارسون الضغط على العاملين فيها ما جعل جودة الأفلام اللبنانية دون المستوى، وتحوّل الفنيين والفنانين إلى أفلام تجارية غير جيدة، خصوصاً وأنّ الموزعين المصريين كانوا يرفضون عرض الأفلام باللهجة اللبنانية في صالات مصر ما دعا إلى إيجاد سينما لبنانية بديلة لم تكن تجارية لكنها كانت ذات مستوى ممتاز، ومنها أفلام مارون بغدادي وبرهان علوية وسواهما.
وفي نهاية الندوة أعلن مدير المركز موعد الندوة المقبلة مساء الاثنين 3 آذار عن ذاكرة القطار في لبنان وتاريخ السكك الحديدية وإنشاء محطة رياق منذ 1895.