هنري زغيب
كان ذلك في مثل هذا الأُسبوع قبل 235 سنة (20 كانون الثاني/يناير 1787)، يوم وقف موزار حاملًا عصا المايسترو يقود بها “أُوركسترا پـراغ السمفونية” تعزف رائعته “زواج الحلَّاق”، في نصّ الإِيطالي لورنزو دا پونْتِه عن مسرحية الكاتب الفرنسي بيار دو بومارشيه (1732-1799) في خمسة فصول (1778) كانت تاليةً مسرحيتَه السابقة “حلَّاق إِشبيلية” (1775).
في بعض المراجع أَن وقفة موزار الأُولى قائدًا في “المدينة الذهبية” پراغ كانت يوم أَدار الأُوركسترا في 29 تشرين الأَول/أُكتوبر 1787 لتعزف أُوپّراه “دون جوان”. لكن تلك كانت الثانيةَ لأَن الأُولى كانت قبلذاك بعشرة أَشهر في التي باتت لاحقًا صالة “مسرح المدينة”.
تلك المرة الأُولى لم تأْخذ وهجها. فأُوپّرا “زواج الحلَّاق” (معروفة بـ”زواج فيغارو”) لم تكن يومها في عرضها الأَول لأَن هذا كان حدَث قبل نحو عام في “مسرح البلاط الملكي” (ڤـيـيـنّـا 1 أَيار/مايو 1786). بدأَ تقديمها في پراغ قبل نحو شهر من تقديمها بقيادة مؤَلفها موزار في 20 كانون الثاني/يناير 1787. كان الجمهور بدأَ يُقْبل عليها قبل ارتقاء موزار المنصة لقيادتها. ففي جريدة أَلمانية صادرة في پراغ جاءَ أَنْ “لا أُوپّرا عرفَت نجاحًا كتلك الإِيطالية “زواج الحلَّاق فيغارو” التي سبق تقديمُها هنا عروضًا عدةً نالت في جميعها تصفيقًا طويلًا”.
كَتَبَها وعينُهُ على پراغ
قد تكون أُوپّرا “زواج فيغارو” أَنجح أَعمال موزار شعبيًا. ففي استفتاء أَجراه موقع “بي بي سي” الإلكتروني سنة 2017، أَجمَع 172 مغني أُوپّرا أَنها “أَفضل أُوپّرا في جميع العصور”. وجاءت أُوپّرا “دون جوان” في المرتبة الثامنة.
في پراغ عامئذٍ (1787) أَدَّى نجاحُ تلك الأُوپّرا إِلى حماسة أَفرادٍ من مُـحبِّي موزار جمعوا مبلغًا كافيًا لدعوته أَن يأْتي من ڤـيـيـنّـا ويقود الأُوركسترا ولو لعرض واحد. وهكذا كان. احتفَى به أَعيانٌ في سهرات عدة، وبقي حديثَ المدينة أَسابيع بعد ذلك.
لدى وصوله إِلى پراغ، حضر مساء 17 كانون الثاني/يناير عرضًا لأُوپّراه، قبل أَن يرتقي المنصة بعد ليلتَين لقيادة “أُوركسترا پراغ السمفونية” في أُمسية موسيقية خيرية حصد معظم ريعها، وما إِلَّا في الليلة الثالثة حتى قاد الأُوركسترا في “زواج فيغارو”.
هذه الأُوپّرا كان موزار أَنجزها قبل نحو عامٍ، في 11 كانون الأَول/ديسمبر 1786 (في الثلاثين من عمره). ويرى دارسون أَنه وضعَها حالِمًا بتقديمها في پراغ لأَن المدينة كانت فترتئذٍ شهيرةً بعازفي آلات النفخ فيها، وفي أُوپّراهُ مقاطع لآلات النفخ.
بينما يرجح دارسون آخرون أَنه كان وضعَها لافتتاح الموسم في ڤـيـيـنّـا على أَن يكتب افتتاحيةً أُخرى لها في پراغ، فلا يكون له أَن يكتب عملًا جديدًا.
مدلَّلًا في پراغ
وصل موزار إِلى پراغ في 11 كانون الثاني/يناير 1787، وسكَن حتى منتصف شباط/فبراير في قصر لآل ثون (أَحد قصور عدة لهذه الأُسرة الثرية في پراغ). لا تحديدَ تاريخيًّا يُثْبتُ في أَيِّ قصر سكن، لكنه ترجيحًا ذاك الذي أَصبح لاحقًا مبنى السفارة البريطانية (حاليًّا) في ناحية مالا سْتْرانا (شارع ثونوڤْسْكان: أَحد أَبرز الشوارع في المدينة القديمة). وذكَر سفير بريطاني سابق أَنَّ في محفوظات السفارة رسالة بخط موزار يشكُر فيها أُسرة ثون على استضافتهم إِياه في القصر.
وفي الطبعة الثانية (2021، الأُولى 2013) من كتاب “موزار في پراغ” يذكر كاتبه الباحث الموسيقي الأَميركي دانيال فريمان (مولود سنة 1959) أَن موزار سكن في قصر آل ثون (رقم 4 – شارع سْنيمُوڤني). وهو القصر الذي احترق سنة 1790 وأُعيد ترميمه بعد سنتين.
خلال تلك الزيارة الأُولى تنقَّل موزار في حانات پراغ ومطاعمها، ويُؤْثَرُ عنه أَنه أَحب خمرها. وفي تلك الزيارة أَيضًا زار 4 مرَّاتٍ مبنى المكتبة الوطنية التشيكية، ليُصغي فيها إِلى طلَّاب يعزفون مقاطع من تآليفه. وحاليًا عند مدخل القاعة الكبرى في المكتبة تمثال نصفي من مرمر نادر لموزار، حول رأْسه إِكليل غار.
إِلى هذا الحد كانت شهرة موزار في تلك “المدينة الذهبية”، لذا تدلَّل فيها كما اشتاقه أَهلُها، لكنه هو أَيضًا كان يشتاق أَن يتعرف أَهلها إِلى أَعماله. وكانت هي على قدْر اشتياقه، فكانت له إِليها زيارات، وفيها نجاحات، كما سأَعرض في الجزء التالي من هذا المقال (“النهار العربي” – الثلثاء أَول شباط/فبراير المقْبل).
كلام الصُوَر
– نسخة براغ من “زواج فيغارو”
- “مسرح المدينة” (زمن موزار)
- “مسرح المدينة” حاليًا في ليل براغ
- موزار مُدَلَّلًا في براغ
- قصر آل ثُون (حاليًّا السفارة البريطانية)