هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

من شرفةٍ في بيروت
“نقطة على الحرف”- الحلقة 1636
“صوت كلّ لبنان” – الأَحد 3 أيلول 2023

أُواصل هذا الأَحد، كما أَفعل كلَّ أَحد منذ أَسابيع، قراءةَ كتُب أَجنبية عن بيروت أَو لبنان.

أَمامي الآن كتابٌ فرنسي عنوانه “شرفةٌ في بيروت” Un balcon à Beyrouth للكاتب ريشار مِــيِّــيْــه Millet في 144 صفحة حجمًا وسطًا، غلافُه جانبٌ بحريٌّ من بيروت، تاجُهُ بياضٌ على صنين، تتهادى فصولُه القصيرة على مشاهدَ عايَنَها الكاتب على مرحلتَين عاد خلالهما إِلى لبنان: 1986 و1994.

الكاتب ريشار مِــيِّــيْــه وُلد سنة 1953 في بلدة فيَّام من منطقة كوريز (وسَط فرنسا). عاش سبعَ سنواتٍ من طفولته في لبنان بين1960 و1967 ثم عاد إِلى فرنسا وانصرف كليًّا إِلى الكتابة مُصَدِّرًا كتُبًا في الرواية والقصص والأَبحاث والمسرح.

كتابُهُ “شرفة في بيروت” تتصدَّره في الصفحة الأُولى عبارةٌ من الكاتب الرحالة الفرنسي جيرار دونرفال الذي زار بيروت سنة 1842: “لا بد أَن تستعيدَ بيروت مجدها الذي، ثلاثَ مرات في التاريخ، جعَلَها ملكة لبنان”. وفي قسم آخر من الكتاب هذه العبارة من لامرتين الذي زار لبنان سنة 1832: “ما عدتُ أَستطيع أَن أُدير عينيَّ عن جمال جبل لبنان”.

في الفصل الأَول جاء: “أَولُ ما شاهدتُ بيروت، كان وصولي إِليها من البحر سنة 1960، ذات صباحٍ من كانون، والضبابُ الباكرُ يفصل بينها وبين الموج حولي، حتى تراءت أَخيلةُ خُضرةٍ جميلةٍ عرفتُ لاحقًا أَنها بساطٌ من حَـرَم الجامعة الأَميركية في بيروت، ينحدر ينحدر حتى يَبُوس البحر. رأَيتُ الجبل قريبًا منها كأَنه يحضُنُها بذراعيه، ورأَيتُ لسانًا يمتدُّ منها كأَنه شهقة من جبل لبنان، عرفْتُ لاحقًا أَن اسمه راس بيروت”.

وفي فصل آخر جاء: “الحياةُ في بيروت مدعاةٌ للتساؤُل عن براعةِ جمْعِها روحيًّا وسياسيًّا بين الشرق والغرب. وكم تنزَّهتُ في طفولتي بين أَحياء راس بيروت، وعلى الكورنيش الفريد بجماله ومحيطه وكيانه. وما زلتُ أَذكر من أَسماء المجمَّعات البحرية: “لونغ بيتش”، “سبورتنغ”، “الحمَّام العسكري”، بلوغًا إِلى تينِك الصخرتَين الطالعتَين من قلب البحر يجمعُهُما اسم واحد: صخرة الروشة”.

أَفتح بعدُ وأَقرأُ من مشاهدات الكاتب: “كثيرًا ما تنزَّهْتُ مع والدي خلال ستينات القرن الماضي، في شوارع الأَشرفية والجمَّيزة والمنارة وعين التينة. وأَذكُر جيِّدًا سنواتي الأَخيرة في بيروت، وكنت بلغتُ الرابعة عشرة، إِذ سكنَّا في حي بدارو، وسْط غابةٍ صغيرةٍ من الصنوبر، قرب متحف بيروت. وغالبًا ما كنت أَستيقظ صباحًا على أَجراس الكنائس حولنا وأَصوات المؤَذِّنين، وأَنظر من نافذة غرفتي الصغيرة فأَرى في البعيد تاجَ الثلج الأَبيض على قمة صنين. وحين تركْنا لبنان سنة 1967 حملتُ معي كنزًا ما زلت أَحرُصُ عليه، هو اللهجة اللبنانية ونتفٌ من اللغة العربية الجميلة، تعودان إِلى ذاكرتي مع تماوجات تفكيري كما تَتَماوج المياه الهانئة على صفحة البحيرة”.

وكتب في فصل آخَر: “حين اندلعَت حرب الستة أَيام سنة 1967، غادَرْنا بيروت لكنَّ ذكريات بيروت، وما أَكثرها وأَغناها، لم تغادرني، وهي باقية بي لا إِلى نسيان”. وفي أَحد فصول الكتاب يعترف: “لبنان أَعطاني حسَّ لغتي، فأَنا فيه عاينتُ شوارع بأَسماء فرنسية لم أَكن لأَعرفها في بلدي، منها جاندارك، ديغول، فردان، كليمنصو، موريس بارس، مدام كوري، وسواها”.

ولا يفاجأُ القارئ أَن يختُمَ ريشار مييِّيه كتابه بهذا المقطع من نشيد الأَناشيد: “هلُمِّي معي من لبنان أَيتها العروس، معي من لبنان، شفَتاكِ تَتقَطَّران شَهدًا، تحت لسانكِ عسَلٌ ولبن، ورائحةُ ثيابكِ كرائحة لبنان: ينبوعُ جنَّاتٍ وبئرُ مياهٍ حيَّةٍ وأَنهار من لبنان”.                                                                                                                         هـنـري زغـيـب 

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib