هنري زغيب
هي دُوقةٌ لقبًا ومسؤُوليةً، لكنها مبدعةٌ رائدةٌ روحًا ورؤْيةً وموسيقى.
وُلدَت في ميونيخ (18/7/1724)، وتوفيَت عن 56 عامًا في دْرِسْدِن (23/4/1780).
هي دُوقة باڤاريا والوصيَّة على سكسونيا (بين 1763 و1768). والدتُها أَرشيدوقة النمسا ماريا أَماليا ووالدُها ملك باڤاريا كارل السابع. تثقَّفَت بالفنون في سن مبْكرة (رسمًا وكتابةً وموسيقًى)، ولاحقًا تعمَّقَت في دراسة الموسيقى على مؤَلِّفَين مُكَرَّسين: نيكولا پورپورا (1686-1768) ويوهان أَدولف هاس (1699-1783). أَكملَت دراستها الموسيقية حتى بعد زواجها سنة 1747 من فردريك كريستيان (1722-1763). كانت تغنِّي في البلاط وتعزف على الهارپْسِيكُورد (الشكل الأَول للپيانو) وكانت رسامة وتكتب الشعر ونُصُوص الأُوپرا. وضعَت موسيقى عمَلَين أُوپراليَّين كتبَت هي نصوصَهما: “انتصار الوفاء” (صيف 1754) و”تاليسْتْري ملكة الأَمازونيَّات” (شباط 1756)، وأَدَّت غناءً سوپرانيًّا الدورَين الرئيسَين في كلا العملَين.كان جديدًا في القرن الثامن عشر أَن تكون امرأَةٌ مؤَلِّفةَ أُوپرا. وأَكثر: صدر الكتابان سنة 1760 لدى منشورات پرايتكوڤ (دار نشر أَلمانية تأَسَّسَت سنة 1719 تُعنى بالمؤَلفات الموسيقية) فانتشر تمثيلُهما على مسارح أُوروپية. ولأَنها كانت عضو “أَكاديميا روما الأَركادية” (مؤسسة كان لها دور فاعل في نهضة الأُوپرا) صدر العمَلان باسم مستعار (إِرميليندا تالياETPA ).
الزواج لم يقيِّدها
اشتهرت بدعم العازفين والمؤَلفين الموسيقيين، وبمساهمتها الفاعلة في الحياة الموسيقية فتكرس إِرثها مؤَلِّفةً موسيقية وراعيةَ الفنون.
في 20حزيران/يونيو 1747 تزوَّجت من فردريك الرابع حاكم ساكسونيا فانتقلَت معه إِلى دْرِسْدِن وولَدت له تسعة أَولاد عاش منهم سبعة. وكانت بهذا الزواج عمَّة الملوك لويس السادس عشر في فرنسا، وشارل الرابع في إِسپانيا، وفردينان الأَول في مملكة الصقليَّتين (إيطاليا).
خلال حرب السبع سنوات (1756-1763) غادرَت دْرِسْدِن إِلى پراغ وميونيخ، وعادت سنة 1763 مع تولي زوجها العرش. لكنه توفي بعد عشرة أَسابيع، وكان ابنها البكر فردريك أُوغست قاصرًا فتولى سلْفها فرنسوا كزاڤييه الوصاية عليه ريثما يبلغ سن الرشد سنة 1768. ولأَنها رفضَت رغبة الوصيّ في إِبعاد ولدها عن عرش پولونيا سنة 1765، أَسست مصنع نسيج سنة 1763 ومصنع بيرة سنة 1766. وكانت في نهاية السبعينات ناضلَت حتى لا تسيطر النمسا على باڤاريا.
حين كانت تعيش في ميونيخ، درسَت الموسيقى مع المؤَلِّفَين جيوڤاني باتيستا فيرانديني (1709-1791) وجيوڤاني پورتا (1675-1755). كان للأُوپرا دور كبير في حياتها، فاحتفل بلاط ميونيخ يوم ذكرى مولدها بأُوپرا “أَماديس ملكة اليونان” (1724) لپييترو تورّي (1650-1737). ويوم زواجها حضرَت أُوپرا “السپارطية السمحاء” لأُستاذها يوهان أَدولف هاس، وأُوپرا “عرس هبة وهرقل” (1747) لكريستوف غلاك (1714-1787).
التأْليف الأُوپرالي
بُعَيْد استقرارها في دْرِسْدِن، كتبَت نصًّا لموسيقى أُوپرا أُستاذها هاس “اهتداء القديس أُغُسطينوس” (1750)، فيما واصلت التأْليف الموسيقي. كان تأْثير هاس واضحًا في أُسلوبها، خصوصًا في المقاطع الأُوپرالية الطويلة. وإِلى عمَلَيها الأُوپراليَّين الطويلَين، كتبَت موسيقى أُغنيات أُوپرالية وحوارات قصيرة وفواصل موسيقية.
قصة “تاليسْتْري ملكة الأَمازونيات” تظهر في عدد من الأَساطير اليونانية وقصص ميثولوجية أُخرى. ومنذ العصور الوسطى أَخذت تنتشر في بعض الأَعمال، منها للشاعر الفرنسي غوتييه دوكوست (1609-1663) الذي استعاد القصة في روايته “كاسانْدْر” (1644-1650). لكن ماريَّا أَنطونيا اختطَّت لها نصوصها الخاصة وموسيقاها الخاصة، توازيًا مع القصة الأَصلية عن علاقة تاليسْتْري بالقائد أُورونْتِس، وأَبقَت على الشخصيتين الأُنثويَّتَين: الأُولى آنْتْيوپ مستشارة تاليسْتْري تُغرَم بقائد سْكيتيّ خصْم يدعى لِيارك (قبائل السْكيتيات على عداوة مع قبائل الأَمازونيَّات)، والشخصية الثانية هي توميريس كاهنة ديانا التي سيتبين أَنها والدة أُورونْتِس. وتنتهي القصة بأَن يتزاوج الفريقان فتجنَّبا اندلاع الحرب بين المعسكرين، وتعايَشَ الأَمازونيون مع السْكيتيين بسلام. ولأَن تاليسْتْري ملكة سمحاء رحيمة وعقلانية، يمكن أَن نلمح فيها، ولو جزئيًّا، خيالات أُوتوبيوغرافية لماريا أَنطونيا ذاتها.
إِقبال وامتداح
أَعمال ماريا أَنطونيا، وكانت هي نجمتَها الأُولى سوپرانيًّا، لاقت منذ بدء عروضها صدًى إِيجابيًّا في أَوساطها وفي كل أُوروپا. فالناقد شارل بورناي (1726-1814) امتدح غناءَها السوبرانيّ في عمل لها سنة 1773، والفيلسوف/الخبير الموسيقي أَنطونيو پوجادِس (1729-1809)، في نصه البحثي “جذُور الموسيقى وقواعدُها” (1774) كتب عن أُوپرا “تاليسْتْري” واضعًا إِياها على مستوى واحد مع خمسة مؤَلفين مُكَرَّسين عصرئذِ. ومع أَن موسيقاها دُرسَت بشكل واسع على المجهر الموسيقي، أَظهر البحث نماذج واضحة من تقنياتها التأْليفية، ما يشير إِلى تقدير پوجادِس ومعاصريه أَعمالَ ماريا أَنطونيا.
هكذا تكرَّست ماريا أَنطونيا مؤَلِّفة موسيقية في عصرها، ثم غمرَها النسيان مع الزمن. لكنها تعود في نهاية هذا الشهر بعملِها الأُوپرالي الخالد “تاليسْتْري” في نسخته الفرنسية على مسرح القصر البلدي في مارن (منطقة إِيل دو فرانس) بإِخراج بيرينيس كولِّيه وأَداء مغنية الأُوپرا السوپرانو الكازاخستانية آنَّارا خاسينوڤا.
ذلك أَن الموسيقى لا عمْر لها، وفي أَيِّ وقتٍ تُعزَف تبقى جديدةً كأَنها بنْتُ الأَمس القريب الذي لا يَهرم في الزمان.
(المقال التالي: الـمُؤَلِّفة الموسيقية المنسيّة شارلوت سوهي 1887–1955)
كلام الصور:
- مشهد من أُوپرا “تاليسْتْري” المنتظَرة نهاية هذا الشهر (الصورة الرئيسة)
- ماريَّا أَنطونيا الدوقة والمؤَلِّفة الأُوپرالية
- أُوپرا “تاليسْتْري” في طبعتها الأُولى 1760 وبالأَحرف الأُولى لاسمها المستعار
- غلاف كتاب أُوپرا “تاليسْتْري” نصًّا وموسيقى
- ملصق أُوپرا “تاليسْتْري” حاليًّا بنسختها الفرنسية