إِذا كان كثيرون في العالَم تلقَّوا، أَسفًا أَو شفَقةً، خَبَرَ أَن يُظهر تقرير الأُمم المتحدة عن حصيلة التنمية المستدامة في اليوم العالمي للسعادة، أَن يحتلَّ لبنان المرتبة قبل الأَخيرة في التعاسة، فعلى اللبنانيين، هنا وثمَّ في العالم، أَلَّا يفاجَأُوا بهذا الخبر، لا أَسفًا ولا شفَقةً، بل أَن يُبدوا الأَسف ويستمطروا الشفقة على قسْم من اللبنانيين، هنا وثمَّ في العالم، وهو هو المسؤُول عن سقوط لبنان إِلى أَسفل درجات التعاسة، لأَن هذا القسْم من اللبنانيين هو الذي أَوصل إِلى الحكم هؤُلاء الذين حَكَموا فَتَحَكَّموا وأَوصلوا لبنان إِلى الاحتراق بنيران التعاسة.
قلتُ مرارًا إِن الطائرة إِذا سقطَت، يُلام القبطانُ لا الركاب، وهذا صحيح جزئيًّا للطائرة، أَما شعبيًّا فليس صحيحًا، لأَن إِسقاط الأَسماء في صندوقة الاقتراع هو الذي أَسقط لبنان في صندوقة التعاسة. وإِذا قبطانُ الطائرة من اختيار إِدارته، فقادة البلاد من اختيار جاهل أَو غبي أَو مأْمور أَو مأْجور أَو ساذج جَعَلَ الحكَّام في الحُكْم رؤَساء أَو وزراء أَو نوابًا، أَساؤُوا حُكْم البلاد فأَسقَطُوها في الفقْر والذُلِّ والتعاسة.
ذات يوم قال تشرشل: “تَصنعون من الحمقى قادةً ثمّ تسأَلون من أَين أَتى الخراب”. يا ليتَهم حمقى يا “سير ونستون” بل هُم واعُون ماذا يفعَلُون، وكيف يَفعلُون، ولماذا يَفعلُون، وكيف لا يكونون كذلك وأمامهم أَزلامٌ ومحاسيبُ ومناصرون يقودهُم يوضاس إِلى المرعى كي يعلفَهم ثم يقودَهم خلفه وهم يتْبعونه صاغرين إِلى المسلخ الذي يختُم بهم كل تعاسة.
لا تفسيرَ آخَرَ أُعطيكَهُ يا “سير ونستون”. وأَيُّ تفسير أَوجعُ من أَن ترى قسْمًا من شعبنا غبيًّا ينتخب أُولئك ويُعيدُ انتخابَهم مراتٍ متتالية، حتى إِذا شعر بالجوع أَو الفقر أَو الضيق أَو اليأْس راح يتظاهر في الشارع ويُعْلي الصوت ويَصرخ ويَعترض، ولا أَدري إِذا كان فعلًا واعيًا أَن الذي ظنَّه على المبرد دمَ المسؤُولين إِنما دمُه هو الذي سال وظلَّ يسيل حتى أُصيبَ هو بفقْر الدم والبلدُ بفقْر التعاسة.
نهضة البلدان من رمادها لا تكون بين ليلةٍ وصباح، ولا بين شهرٍ وشهر أَو من سنة إِلى سنة، بل تدريجًا بعد وعي الإِجرام وعزْل المجرمين، والمجيْء إِلى الحكْم بمن يستاهلون الحكْم لا لهم ولا لنسلهم بل للشعب الذي عانى من أُولئك اليوضاسيين حتى لَيُودي بهم إِلى التينة اليابسة ويختارَ الجديرين لا بحُكْم اليوم بل بحكْم المستقبل لأَولادنا كي لا يحصدَ أَولادُنا زُؤَانَ ما ظَنَّ آباؤُهم أَنه قمْحٌ بل حصَد القمحَ سياسيُّون حقيرون ورَمَوا إِلى أَولاد الشعب الزُؤَانَ الفاسدَ والمسموم.
كيف نبدأ؟ نبدأُ بعزْل هؤُلاء اليوضاسيين الذين دمَّروا وليسُوا هُم من سَيُعَمِّرون.
متى نبدأ؟ اليوم نَبدأ.. أَمس نَبدأ… ولنبدأْ كلَّ يوم، حتى يُشرقَ ذاتَ يومٍ يومٌ يكونُ فيه لبنان خاليًا من نسْل اليوضاسيين فيبدأُ البناءُ من أَساسِ حَجَرٍ متينٍ تَضَعُهُ يدٌ نظيفةٌ لم تتَّسِخ بذئاب السياسة الذين كانوا هُم السببَ في سقوط لبنان إِلى أَبشع أَدغال التعاسة.
هـنـري زغـيـب
email@henrizoghaib.com