… وما أَنبلَهُ، وأَصدقَهُ، شعارًا تَـوَّج إِطلاقَ مؤْتمر “نحو الاستقلال الثالث”، نَظَّمَهُ تَجَمُّع “مقيمون ومنتشرون من أَجل لبنان” في متحف سرسق مساءَ الخميس هذا الأُسبوع. ويُنصِّع صدقيَّةَ هذا التجمُّع الجديد أَنه مبنيٌّ على مبادئِ لبنانيٍّ عالَميٍّ شعَّ اسمُهُ في العالم طبيبًا ذا إِنجازاتٍ جليلةٍ في الشفاء من السرطان واكتشافِ علاجات جديدة له أَثبتَتْ نجاحها، لكنه تَوَازيًا صاحبُ الشعار الشهير: “أَنا أَعيشُ في أَميركا لكنني أَحيا في لبنان” وهو القائل:”جوازُ سفَري أَميركيٌّ لكنَّ هُويَّتي لبنانية”. ومن كان هذا شعارَه يعطي تنسيقَه التجمعَ الجديد صدقيَّةً لا إِلى جدال. إِنه الدكتور فيليب سالم.
في إِطلاق التجمُّع الجديد “مقيمون ومنتشرون من أَجل لبنان”، قال فيليب سالم كلامًا ليس من حروفٍ بل من نبضِ قلوب جميع اللبنانيين.. قال: “هذا أَول جسْرٍ يُبنى بين لبنان المقيم ولبنان المنتشر. لبنان في أَزمة وجود، وهذا الجسر ضروريٌّ لإِنقاذه من هذه الأَزمة”. وقال: “انتماؤُنا الوحيد هو للبنان الوطن. لسنا هنا للدفاع عن طائفة أَو منطقة بل للدفاع عن لبنان وحقوق جميع اللبنانيين”. وقال: “هذا التجمُّع ليس سياسيًّا وحسْب بل فكريٌّ، إِذ نؤْمن بالترابط الوثيق بين الفكر والسياسة، فلا ترسيخَ لسيادةِ لبنان إِلَّا بتغيير الفكْر السياسيّ التقليديّ في لبنان”. وقال: “لا خلاصَ لنا إِلَّا برفع الهيمنةِ عن القرار اللبناني وإِعادةِ السُلطةِ وقرارِ الحرب والسلْم إِلى الدولة”. وقال: “لا أَعداء لنا بين اللبنانيين فلا نُضمِر عَداءً لحزب الله إِنما فَلْيَكُنْ واضحًا أَن لبنانَ ليس جمهوريةَ حزب الله بل جمهوريةُ جميع اللبنانيين”. ورفع فيليب سالم صوته جهيرًا بتغيير هذه السُلطة الحاكمة المتحكمة معلنًا: “من أَخذوا لبنان إِلى حافة القبر لن يعيدوه إِلى الحياة. هذه السُلطة اغتالت لبنانَ ولا تُريدُ بناءَ الدولة لأَن بناءَ الدولة ليس من صالحها، والسلطات والأَحزاب والتكتلات السياسية التي توالت على الحكْم لم تشأْ بناءَ الدولة، ولا وطنَ من دون دولةٍ تحمي الوطن وتحمي الحضارة. إِنَّ قيامةَ لبنان مسؤُوليةُ جميع اللبنانيين معًا، لكنها تحتاج دعمًا وعملًا دُوَليَّين لأَن جذور الأَزمة تمتدّ إِلى المحيط الإِقليمي ودُوَل العالم”. ولم يغفُل عمَّا يجري في غزَّة فدان الإِجرام الإِسرائيلي وقال: “ندعم إِقامة دولة فلسطينية مستقلَّة، وننحني أَمام شهدائها، لكننا لن نقدِّم لبنانَ فديةً لفلسطين. لذا نرفض إِقحامَ لبنان بأَيِّ حربٍ ضدَّ إِسرائيل، ونُصِرُّ على تنفيذ القرارات الدُوَلية بشأْن لبنان”.
قال هذا، فيليب سالم، وقال كثيرًا غيرَه، في صوتٍ واثقِ الإِيمان بقُدرة لبنان على تَخَطِّي أَزماته. بلى: إِنه الإِيمان بلبنان اللبناني: لا هويةَ له إِلَّاها، ولا انتماءَ له إِلَّا إِليها، ولا خلاصَ له إِلَّا بها، ولا مكانَ فيه لسُلطة خانت هويتَها والتزامَها وعمِلَت لمصالحها لا لمصلحةِ لبنان، ولشخصانيتها لا لشعب لبنان.
هذا اللبنان الذي ينادي به أَعضاء هذا التجمُّع الجديد (“مقيمون ومنتشرون من أَجل لبنان”) هو لبنانُ كلِّ لبنانيٍّ مؤْمنٍ بأَرضه وهويته وكيانه، ويعمَل له فعليًا لا تنظيرًا، وميدانيًّا لا لفظيًّا، وهو لبنان الذي تستحقُّه أَجيالنا المقبلة فَتَعي أَننا جيلٌ عمِلَ كي يستحقَّ شعار فيليب سالم: “لبنانُ وطنٌ لا يموت”، وكي يظلَّ هذا الإِيمانُ ملازمًا كلَّ جيلٍ آتٍ: بأَنَّ العواصف تهزُّ أَغصان الأَرز لكنها لا تَهُزُّ جذوره، ومهما طالت العواصف، تنقَضي ويبقى الأَرز عنيدًا على جبين لبنان الذي لم يمت يومًا ولا يموت ولن يموت.
هـنـري زغـيـب
email@henrizoghaib.com