هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

لبنان في كتاب “يسوع ابن الإِنسان” (3 من 3)
“أَزرار” – رقم 1303
السبت 27 كانون الثاني 2024

في الجُزءَين الأَولَين من هذه الثلاثية (السبت الماضي والأَسبق) ورَدَ ذكْرُ لبنان في سبعة عشر فصلًا من كتاب “يسوع ابن الإِنسان”.. هنا لبنانُ في عشَرةٍ أَخيرة من فصول الكتاب.

في فصل “زكَّا” يروي: “كنا معه صحبًا من رجال الجليل ومن منحدرات لبنان.. تريدون أَن تعرفوا إِن كان الرومان قتلوا يسوع أَو الكهنة؟ إِعلموا أَنْ لا الرومان قتلوه ولا الكهنة، وأَنَّ جميع العالَم وقفوا يمجِّدونه عند تلك التلة”.

وها هو يوناثان في فصل “يوناثان بين زنابق الماء” يقول: “ذات كنَّا، حبيبتي وأَنا، نُجَذِّف في بحيرة المياه العذبة، ظهرَت قُبالتُنا تلالُ لبنان.. مررنا بالصفصاف الباكي فرأَينا ظلاله تتماوج في عُمق المياه.. أَخذَت حبيبتي نايَها وشَرعَت تغنِّي: “فَلْنَتْبَعِ الصفصاف يا حبيبي وسْط زنابق الماء، ففي الناصرة يعيشُ شاعرٌ قَلْبُهُ كزهرة اللوتس…”.

وفي فصل “مانوس الذي من بومباي يخاطب إِغريقيًّا” جاء: “اليهود، كجيرانهم الفينيقيين والعرب، لا يَدَعُون آلهتهم يستريحون هنيهاتٍ على متن الريح… والفيلسوفُ يسوع، شبيهًا بسُقْراط، ستكون له سُلْطة على شعبه وربما على شعوب أُخرى.. لعل أَبناء تلك الشعوب يبحثون عن أَدونيس آخَرَ قتيل في الغابة كي يحتفلوا بمصرعه”.

وحتى لبيلاطس البنطي في ذهن جبران مكانٌ للتورية.. ها هو في فصل “بيلاطس البنطي والطقوس والتقاليد الشرقية” يكتُب بلسان بيلاطس: “الطقوسُ المشرقية خطرٌ على الأَمبراطورية الرومانية.. فهذه مصر سقطَت حين حكَّامُ العرب حملوا إِليها من صحرائهم دينَ الإِله الأَحد.. وكذا إِغريقيا سقطَت حين عشتروتُ ووصيفاتُها السبْع جئْنَ إِليها من الشواطي السورية”.

في فصل “برتلماوس في أَفسُس” جاء: “بدايةً، اختار يسوع رجالَه من بلاد الشمال.. كانوا أَقوياءَ وأَحرارًا لا عبيدًا، فهل تَرَون أَنَّ أُمراء لبنان وأَرمينيا الشرفاء أَنكروا أُصولهم حين ارتضَوا يسوع نبيًّا للإِله”؟

وعلى الجلجلة قُدَّام الصليب، في فصل “سوسانُ الناصرية جارةُ مريم” تقول مريم لابنها المصلوب: “إِنْ كانت هذه مشيئةَ الإِله، فلْيَكُنْ ثلْجُ لبنانَ كفَنًا لك، وإِن كانت مشيئةَ الكهَنة والجنود، إِليكَ هذا الثوب يكْسو عُريَك”.

في فصل “حنانيا رئيس الكهنة” المناهضُ يسوعَ، جاء قولُه: “كان يسوعُ لصًّا من سَفَلَة الرُعاع.. إِنه غريبٌ، من هناك من جليل الأُمم في بلاد الشمال حيث أَدونيس وعشتروت ينازعان السُلْطةَ إِسرائيل وإِلهَ إِسرائيل”.

وفي فصل “سيبوريّة أُمّ يهوذا” تقول عن ولَدها: “يهوذا ابنيَ الوحيد.. حين كان طفلًا أَخذْتُ حذاءَه، وبمنديلِ كتانٍ أَعطَتْنيهِ أُمي لَفَفْتُهُ بهاتين الكفَّين الطريَّتَين كعنَب لبنان”.

وجاء في فصل “امرأَة من جبيل” قولُها: “اندُبْنَ معي، يا بناتِ عشتروتَ ويا عشَّاقَ تموز، وابْكِين مَن كان مِن ذهبٍ وعاج لأَنَّ الخنزيرَ البريَّ صرعه في الغابة.. احتمِلُوا الأَلم في صدوركنَّ وعزِّينَني، فيسُوعُ الناصريُّ مات”.

ويختُم جبران كتابَه بفصل “رجل من لبنان بعد تسعة عشر قرنًا”، ويعني ذاتَه بهذا الرجل إِذ ينادي: “يسُوع، أَيها الشَاعرُ الـمُنْشِد، يا ذا القلْب الكبير، ليُبارِكِ اسمَكَ إِلهُنا، ويباركِ الرحمَ التي كوَّنتْكَ جنينًا، والثَديَين اللذين أَرضَعاكَ، وَلْيغفِر الإِله لنا جميعًا”.

***

هكذا إِذًا، بين لبنان والأَرز وفينيقيا وعشتروت وأَدونيس، يتَّضح كم لبنانُ نابضٌ في بال جبران فيما كان يكتب “يسوع ابن الإِنسان” أَو يُملي فصولَه تباعًا على مساعدته ومُريدته باربرة يونغ، رفيقة سنواته الست الأَخيرة (1925-1931). ولا بدَّ أَنها عاينَتْ شغَفَه الدائمَ بوطنه حتى عنْوَنَتْ كتابها عنه “هذا الرجل من لبنان”، لأَنها لمسَتْ من جلساتها اليومية لديه تعلُّقَه المطلَق بوطنه حتى يَذكُره، تصريحًا أَو تلميحًا، في 27 فصلًا من أَصل 79 هي فصولُ كتابٍ لم يكتُبْه للُّبنانيين ولا  لقرَّاء العربية.

بلى، وعودةً إِلى بَدْء هذه الثلاثية: “إِنه رجلٌ غادرَ لبنانَ ذات يوم، لكنَّ لبنان لم يغادره ولا أَيَّ يوم”.

      هنري زغيب 

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib