أَدخل اليوم مكتبتي، أَقف أَمام الجناح الخاص بالكتب المتعدِّدة اللغات عن لبنان، وهو الجناح الأَوسع والأَحَب في مكتبتي، وأَختار لكم منه كتابًا بالفرنسية كنتُ قرأْتُه لدى صدوره ولفتَني، أُعيد لكم عرضه في حفنة دقائق.
عنوان الكتاب: “فصول من بيروت”، وضَعَتْهُ خواطرَ ومشاهداتٍ الكاتبةُ السويسرية كارينا روت Roth العيد. صدر في أَيار 2009 لدى “منشورات لارماتان” (باريس) في 160 صفحة حجمًا وسطًا، تتصدَّره مقدمة من الشاعر اللبناني الفرنكوفوني صلاح ستيتيّه على الصفحتين 9 و10، ، جاء فيها: “هذا كتابٌ صغيرٌ ممتع، تعرضه لنا كارينا روتْ لا عن بيروت وحسْب بل هو فصول عن لبنان، بلدي الصغير الجميل، زائرةً فيه القلب والأَطراف، العاصمة والضواحي، السهلَ والجبل، البحرَ والفضاء. في القرن التاسع عشر، كتب مستشرق فرنسي زاره: “لبنان لا يُنتج بضاعةً يصدِّرها، لكنه يُنتج لبنانيين ويصدِّرُهم إِلى العالَم”. ويُكمل ستيتيه: “صحيح. إِنه يصدِّرُ لبنانيين ذوي قلب ورسالة. وها هي ذي كارينا السىويسرية المولد والنشأَة، آمنَت بهذه الرسالة، فتزوَّجَت لبنانيًّا من آل العيد، وبات وطني هو أَيضًا وطنَها… وكتابُها مجموعة لقطات سريعة، كاللقطات الفوتوغرافية، دوَّنَتْها على الورق بين 2001 و2003. وهي تعرف أَنَّ ما دوَّنتْه ليس كلَّ الجوهر في لبنان، وتعرف أَن الحقيقي منه هو لبنان الخالد في الزمان”.
الكتاب، بعد مقدمة صلاح ستيتيه، من ثلاثة فصول كبرى: “بيروت في أَيَّار”، “لبنان في الخريف”، “أَيام كانون الأَول”.
في الفصل الأَول جاء: “بيروت من بعيد كتلة إِسمنتية كأَنها زحَلَتْ من القمم المحيطة وهدَأَت تستكين عند شاطئ البحر، ورديةً شاحبةً عند الغروب، ورديةً نضرةً عند الشروق، جميلةً تحط على بساط صخورٍ تتلأْلأُ عليها لَمَعات الطحالب. وما يفصل بيروت المدينة عن بيروت البحر، كورنيشٌ رائع يَتَأَفْعَنُ بين الرصيف والشجر، يَتَشَعْبَنُ بالأَهالي يتمشون، يركضون، يضحكون، يترافقون، سعداءَ هانئين، وإِلى الغرب منهم مجموعةُ صيادين على الصخور ينتظرون الفرح على أَطراف قصباتهم الطويلة”.
في الفصل الثاني جاء: “أَول زيارة لي إِلى الشوف كانت في أَيار. يومها زرتُ قصر بيت الدين الـمَهيب. أَخذَتْني مهابَتُه، بحجارته المقصوبة النظيفة منذ القرن الثامن عشر، عند منحدرٍ انتهى إِليه من شواهقَ حوله تتخلَّلُها سواقٍ تَتَسَقْسَقُ في زغردة جميلة، يديرُ لها القصر ظهره، وَتَتَزَحْلَقُ عيناه إِلى البحر فوق وديانٍ تَتَحَلَّى بالأَخضر الربيعي، فيما تستقبل باحاته زوَّارًا وسياحًا يقرأُون على منعطفاته صفحاتٍ ساطعةً من تاريخ لبنان”.
في الفصل الثالث عشْرُ يوميات كانونية جاء في إِحداها: “أَمضيتُ نهارًا كاملًا في طرابلس، أَدور تحت مطرٍ خفيفٍ بين شوارعها العتيقة وأَزقَّتها الطريفة وحِرَفيِّيها البارعين بِنِتاجهم اليدوي. أَخرج من السوق التراثي الجميل، تُطالعني الأَبنية التراثية العريقة تمتدُّ تمتدُّ حتى البحر الذي يزنِّر المدينة بحنان غامر”.
خلاصةُ الخلاصة: كتاب كارينا روت يؤَرخ للبنان لقطاتٍ سريعةً ومشاهداتٍ متلاحقةً بِعَينٍ سويسرية وقلبٍ لبناني، فَتَمْسَحُ عن جراح لبنان دموعَ الحزن، وتُضفي على شمسه دفْء الوفاء، وتكتُب بقلمٍ موضوعيٍّ ما رأَت عيناها في سنواتٍ زارت خلالها لبنان ثلاثَ مرات، ثم أَخذَت تَتَرَدَّدُ إِليه من دون عَدِّ زياراتها، لأَنها اكتشفَت فيه ما كان كتبَه صلاح ستيتيِّه في مقدمته بأَنها اكتشَفَتْ… “لبنان الخالد”.
هـنـري زغـيـب
email@henrizoghaib.com