فؤاد الترك: سفير الحقيقة قبل الدﭘـلوماسية (*)
_________________________________________
وأنت أيضاً يا فؤاد؟
ألا يكفيني غياب منصور ]الرحباني[ قبل ثلاث، وغياب وليد ]غلمية[ قبل سنة، حتى تُكملَ أنت دائرةً تُفْرغني من أَصدقائي الأقربين؟
وأَنت في المستشفى كان يسأل عنك سعيد عقل. كنا نكذب عليه. نقول إنك تأتي غداً أو بعده، عند إبلالك من “الوعكة”. اليوم، وبعد اليوم، ماذا سنقول له؟
يا ليتها كانت “وعكة” يا فؤاد، ولم تكن جرثومة فتكَت بنضارة ثمانينك.
اليوم، وبعد اليوم، ستبقى بيننا بصوتكَ الواثق من عودة لبنان إلى لبنان، وفكرك المخطِّط كيف يَـخرُج من مِـحَنِهِ لبنان.
في سنوات الجمْر كنتَ تردّد لي: “أَصعبُ ما في حرب لبنان أن نعتاد عليها”.
اليوم، وبعد اليوم: أصعب ما في غياب الأصدقاء أن نعتاد عليه.
في ذاكرتي من جلستنا الأخيرة معاً، فَرحُك بمجيء قداسة البابا إلى لبنان كي تعْرض عليه مشروعكَ الأكبر: جعْل لبنان مقراً للحوار بين الثقافات والأديان تتبنّاه الأمم المتحدة رسمياً “مركز دولياً”. كنت استعدَدْتَ للسفر إلى نيويورك كي تقدِّمَه إلى الأُمم المتَّحدة برفقة زميلكَ في الدﭘـلوماسية غسان تويني الذي مَرِضَ قبل أيامٍ من سفركما ولم يَقُمْ من مرضه حتى غاب قبل أسابيع فأَسِفْتَ أنكَ لم تذهب معه إلى نيويورك.
واليوم تغيبُ أنتَ أيضاً فينامُ المشروع في أوراقكَ، ولا أَدري مَن سيقوم بتقديمه إلى بِنِدكتوس السادس عشر يوم يأتي ليُكمل قولة سَلَفه يوحنا بولس الثاني إن لبنان “وطنٌ رسالة”، وكنتَ ترى الإكمالَ في إعطاء دورٍ لــ”وطن الرسالة” فريد: أن يكون “مركزاً دولياً رسمياً للحضارات والأديان”، فلا يعود مجرد جغرافيا ولا ديموغرافيا كغيره من دول العالم، بل يصبح حاجة للعالم.
اليوم، وبعد اليوم، ستبقى من كتاباتِك ومحاضراتِك أَفكارُك التي لم أَنفكّ أسمعها منك منذ أول تعارفنا سنة 1982: “أنا موظّف عند رب عمل واحد هو لبنان”، مقولة استطعتَ بها، أميناً عاماً للخارجية في أصعب سنوات الجمر، أن تبقى الجامع المقبول من كلا طرفي القطيعة في لبنان: قصر بعبدا ورئاسة الحكومة.
يوم كتبتُ السبت الماضي مقالي “أزرار” (“النهار”- 14 تموز الجاري) عن “دﭘـلوماسية الثقافة” كنتَ في بالي بِـما عرفْتُهُ منكَ عن نشاطك الثقافي من أَجل لبنان في كلّ سفارة ترأَّسْتَ بعْثَتَها طوال حياةٍ دﭘـلوماسية طويلة كان شعارُكَ فيها: “إذا الدﭘـلوماسيةُ اصطدَمَت بالحقيقة، أُضَحّي بالدﭘـلوماسيّة من أجل الحقيقة”.
من أَجل هذه الحقيقة اللبنانية عشتَ مرتاح الضمير، ومن أَجلها عمِلْتَ وكتبْتَ وحاضرْتَ وكنتَ لها رسولاً وسفيراً وداعيةً لا ترضى إلاّ بحقيقة لبنان اللبناني، دولة مواهب لا دولة مذاهب، تسعى إلى حقوق المواطن لا حقوق الطائفة.
اليوم، وبعد اليوم، ستبقى “جَوهَرجيَّ الصداقات”، تَصُوغُها وتجمعنا إليكَ.
فبعضُ فرادتكَ أنكَ تاركٌ فينا أنقى صياغة لـِـجَوهرة الصداقة.
هنري زغيب
__________________________________
*) “النهار” – الأربعاء 18 تموز 2012- صفحة 7