هنري زغيب
في تعريف سريع أَول أَن ريتشارد وِلسون (1714-1782) أَحدُ أَبرز أَعلام ويلز في المملكة المتحدة (بريطانيا العظمى). تَوَزَّع عملُه بين بريطانيا وإِيطاليا. اشتُهر بـــ”رائد رسم المناظر الطبيعية في الفن البريطاني”، ووصفَتْه موسوعة “أَكاديميا ويلز للفنون” بــــ”أَهم رسام أَطْلَعَتْه ويلز في تاريخها، وأَبرز من وَعى الحفاظ على تراث بلاده”. وهو كان من مؤَسسي “الأَكاديميا الملَكية” (كانون الأَول/ديسمبر 1768).
في هذا المقال من جُزْءَين (اليوم والجمعة المقبل في “النهار العربي”) أَضواء موجَزَة على هذا الفنان العبقريّ.
النشأَة والتحَوُّل
هو ثالث أَولاد مُرشد المدينة (پـينيغوس). تلقَّى نشْأَة فنية كلاسيكية في بيت مثقَّف، وتنامت ثقافته تتاليًا حتى أَصبح أَبرز تشكيلي بريطاني لرسم المناظر في عصره، وأَحد أَكبر الفنانين التشكيليين في القرن الثامن عشر. مع أَن النقاد يعتبرون توماس غاينسبورو (1727-1788) هو الأَكثر شهرة وشعبية في النصف الآخر من القرن الثامن عشر، يبقى وِلسون أَهمَّ منه لأَنه جعل رسم المناظر أَبعدَ من مجرد نقْل المنظر بوصف تفاصيله، بل بما أَضاف إِليه من روح اجتماعية أَو تاريخية كرَّسَه بها فنًّا صعبًا مستقلًّا بذاته لا يأْتيه سوى قلة المبدعين.
بتلك الروح في ريشته، حوَّل المنظر العاديّ إِلى نبْض وخيال بالخطوط والأَلوان، وكان ذا تأْثير واضح ومباشر على من تناولوا بعده هذا الفن، لوحاتٍ زيتيةً مع جون كونستابل (1776-1837) وجوزف تورنر (1775-1851)، ولوحاتٍ مائيةً مع جون كوزِنْس (1752-1797) وتوماس غِيرتِـن (1775-1802).
تأْثيرات لندن
سنة 1729 غادر وِلسون بلاد ويلز وانتقل إِلى لندن، ليتعمَّق أَكثر في دراسة رسم الوجوه حتى تمكَّن منه. وبعد 6 سنوات في لندن انتسب إِلى أَكاديميا “سانت مارتن” التي أَسسها وليام هوغارت (1697-1764). وكان يزامله في دراسة رسم المناظر الرسام الشهير جورج لامبيرت (1700-1765)، لكن وِلسون برز أَكثر منه في “الأَكاديميا”، وما هي حتى بدأَت تظهر أَعماله الخاصة في رسم المناظر. ومن أَبرز مطالعه لوحة “قلعة دوڤِــر” (1746). وازدادت شهرتُه رسام مناظر بعد لوحتَيْه “مستشفى اللقطاء” (1946) و”مستشفى القديس جاورجيوس” (1746)، قدمهما هدية لمستشفى اللقطاء حيث أُقيم أَول معرض عام في لندن.
تأْثيرات إِيطاليا
وكان وِلسون، في مطلع الأَربعينات، سافر إِلى إِيطاليا متخليًا عن رسم الوجوه. وسنة 1751 كان في البندقية حين جاء مَن ينصحه بالتخلِّي عن رسم الوجوه والانتقال إِلى رسم المناظر، والتعمُّق به لدى المبدع في هذا الفن فرنتشسكو زوكّاريلّي (1702-1788). وهكذا كان. وجمعته زمالةٌ في روما عبر هذا الفن مع رسام المناظر الفرنسي كلود جوزف ڤيرنيه (1714-1789) الذي كان هو الآخر تخلَّى عن رسم الوجوه متحوِّلًا إِلى رسم المناظر.
في تلك الفترة كان توفِّـي اثنان من أَعلام رسم المناظر في إِيطاليا: أَندريا لوكاتيلّي (1695-1741) ويان فرانس ڤان بْلُومِن (1662-1749). وكان رائجًا فنُّ رسم الوجوه مع پومپايو باتوني (1708-1787) وأَنْطُن رافاييل مينغْس (1728-1778) نظرًا لإِقبال السياح على ذاك الفن. لكن إِقبالهم أَيضًا (وإِقبال مَن جاؤُوا إِلى روما لدراسة الرسم) على مناظر من إِيطاليا يأْخذونها معهم للذكرى، جعل وِلسون ينصرف كليًّا إِلى رسم المناظر. وفي السنوات الخمس التي أَمضاها في روما، وضع عددًا كبيرًا من اللوحات لمناظر مختلفة في روما وضواحيها كما في ناپولي وضواحيها. وهو لهذه الغاية أَنشأَ محترفًا درَّب فيه عددًا كبيرًا من الطلَّاب الإِيطاليين والأَجانب الراغبين في دراسة رسم المناظر.
لوحاته للتأَمُّل والتذكار
لوحات وِلسون للمناظر الإِيطالية تميَّزَت بخياله الواسع وبراعته في مزج الأَنوار والظلال تماهيًا دقيقًا، ما يعطي اللوحة مزاجًا رومنطيقيًّا شاعريًّا. من هنا رواج لوحته الشهيرة: “منظر في تيڤولي – الشلَّال وقصر مايسيناس” (1752)، لِما رسَم فيها من أَماكن تُثير الذكريات حول أَماكن ومعالِـمَ لم تَعُد موجودة، خاصةً بالمقابلة بين ما كان في الأَمبراطورية الرومانية وما بات عليه الـمَعْلَم في إِيطاليا اليوم.
بعودته من روما إِلى لندن سنة 1757 أَسس وِلسون محترفًا للتدريس في مقر سكنه، لدى ساحة “كوڤِنْت غاردن” الشهيرة في قلب لندن، قريبًا من مركز “الأُوپـرا الملَكية”، وواصل وضع لوحات عن مناظر من إِيطاليا لكثرة الطلَب عليها في تلك الحقبة، فأَخذ يضع أَكثر من لوحة للمنظر الواحد، ودرَّب طلَّابه في المحترف على انتهاج ذلك تكرارًا.
ما أَبرز الأَعمال التي نفَّذها وِلسون في تلك الحقبة من أَوْج شهرته؟ هذا ما أُعالجه في الجزء المقبل من هذا المقال.
كلام الصوَر
- وِلسون: “قلعة دوفر” أُولى أَشهر لوحاته (1747)
- وِلسون بريشة صديقه أَنطُن مينْغْسْ (1752)
- الضابط توماس سميث بريشة وِلسون (1744)
- وِلْسون: “مستشفى اللُقطاء” (1746)
- “منظر من تيفولي-الشلَّال وقصر مايسيناس” (1752)