هنري زغيب
قد لا يكون الإسباني خواكين صُورُويَّاSorolla (1863-1923) بين أَشهر الرسامين المعروفين في العالم العربي أَو لدى قرَّاء العربية. غير أن له من متانة ريشته وسطوع موهبته ما يجعله في المقدمة بين أَعلام جيله الأُوروبي. ولعل أَبرز أَعماله هي التي خصصها للصيف وشاطئ البحر وما تُغْدق عليه زُرقة المتوسط من رقة وجمال، فبدا كل ذلك مشْرقًا بوضوحٍ باهرٍ في لوحاته.
أَقتطف في ما يلي لقراء “النهار العربي” نبذة عنه وعن أَبرز أَعماله التي تسطع فيها زُرقة المتوسط.
هو والصيف
إِسباني هو من مواليد ڤالنسيا (مدينة بحرية شرقيّ إسبانيا على المتوسط). اسمه الكامل خواكين صُورُويَّا إِي باستيدا. اشتُهر في عصره وبيئَته برسْم الوجوه والمناظر الطبيعية، وبين أَعماله لوحات بأَحجام كبيرة جدًّا ذات مواضيع اجتماعية وتاريخية.
لوحاته للوجوه تميَّزَت برسم الناس في إِطارهم الطبيعي، تحت شمس إِسبانيا الساطعة المنعكسة أَنوارًا مُبَهْرَجَةً على صفحة البحر. ويظهر الناس فيها يتمشَّون على رمل الشاطئ أَو يتمدَّدون عليه، ناعمين بالشمس الذهبية تتكسر أَشعتها على أَمواج البحر. من هنا اشتهار صُورُويَّا بلقب “رسَّام النور” لكثرة ما رسَم من لوحات للبحر والشاطئ والسابحين، متأَثرًا بجمال الشاطئ في ڤالنسيا. وفي جميع لوحاته رأَى النقاد سطوعًا جميلًا في ضربات ريشته المغمَّسة بزُرقة المتوسط.
ريشة العمّال والفلَّاحين
غير أَنه، قبل اشتهاره بلوحات الشاطئ صيفًا، بدأَ مسيرته التشكيلية برسم لوحات من البيئة الاجتماعية، بينها مشاهد من حياة العمال في فالنسيا، خصوصًا مشاهد صيادي السمك والبحارة، وهم طبقة متواضعة من الفلَّاحين والعمال البُسَطاء. وفي أَواخر حياته، كلفتْه “الجمعية الإسبانية في نيويورك” وضع سلسلة من اللوحات للتقاليد والعادات الشعبية لمناطق مختلفة من إِسبانيا، فزادت هذه الأَعمال من شهرته عالَميًّا.
ومع أَنه رسَم في مناطق عدة من إسبانيا، ظلت المنطقة المحببة لديه هي ناحية المتوسط المشمسة. وكما سائر الرسامين، كان يخرج صيفًا مع أُسرته إِلى منطقة مشْمسة من فالنسيا، يجد فيها لريشته واحةً فردوسية تُلهمُه أَفكارًا ومواضيع.
شمس فالنسيا
تعدَّدت لوحاته صيفًا عن تلك المشاهد البحرية في فالنسيا، وأَتاحت له زرقة المتوسط المشْمسة دقة تصوير انعكاس نور الشمس على المراكب، وظلاله ونوره على السابحين والمتشمِّسين والأَمواج المتهادية صامتةً على صفحة البحر.
بهذا المنحى في رسمه، تكرَّس صُورُويَّا رسَّام النور ورائد الانطباعية الـمُحْدَثة في إِسبانيا. فهو، كسائر الانطباعيين، رسم في الطبيعة خارجًا، محاولًا التقاط نور المتوسط بريشته البارعة. من هنا أَن لوحاته تذكِّر بانسحار رواد الانطباعية، وفي طليعتهم رائدُها الفرنسي كلود مونيه (1840-1926) في لوحاته ذات المناظر المائية، وإِدوار مانيه (1832-1883) في لوحاته عن مراكب الصيد في أَرجنْتُوْيْ.
بين أَشهر أَعمال صُورُويَّا في هذا الموضوع لوحته “صبيان على الشاطئ” رسمها سنة 1909، وأَبرز فيها حيويةً وبراءةً ونقاءً وزهوًا على وجوه الصبيان العُراة. وبرع فيها بتصوير حركة الموج المنسحق على رمل الشاطئ، وانعكاس بصيص النور على بَشَرَة الصبيان زرقاويًّا فيروزيًّا وبنفسجيًّا، وتماوجات النور والظلّ على قمم الموجات المتراكضة إِلى الشاطئ.
تجربة باريس
سنة 1906 أَقام صُورُويَّا معرضه الأَول لدى صالة جورج بُتي في باريس، وهي أَشهر غالري باريسية للانطباعيين. كان في المعرض نحو 500 لوحة تتراوح بين مطالع الفنان ولوحات البحر والشاطئ والمناظر الطبيعية. ونجح المعرض فنيًّا وماديًّا، فبهر زوَّاره وأَطلق صُورُويَّا إِلى الشهرة العالَمية.
حيال هذا النجاح الساطع، أَخذ صُورُويَّا يُمضي الصيف سنويًّا مع أُسرته في بياريتز الفرنسية (مدينة ساحلية على الأطلسي، على 35 كلم عن حدود إِسبانيا)، مستوحيًا من مناظرها البحرية مواضيعَ جديدةً للوحاته، هو البارع في التقاط الهنيهات المناسبة للجو المناسب في اللوحة.
كلوتيلد وماريَّا
بين أَنجح أَعماله في تلك المرحلة “مشية هادئة على شاطئ البحر” (1909) تظهر فيها زوجتُه كلوتيلد وابنتُه البكر ماريا تمشي بأَناقة على رمل الشاطئ في فالنسيا، وتبدو براعة الرسام في صفاء اللوحة وتأْليفها المتناسق، وتعابير الوجهَين البالغة الجمال، وحذْف الأُفق منها، والإِبقاء على زُرقة البحر، وهو ما جعل هذه اللوحة إِحدى روائع صُورُويَّا، فهي تبدو كأَنها مأْخوذة من إِطار صورة فوتوغرافية. وهذا الأُسلوب برع فيه صُورُويَّا بين أَتراب عصره، بتكرُّسه انطباعيًّا بارعًا، وضَع معظم أَعماله في حضن الطبيعة، ناعمًا بإِشراقة شمس المتوسط.
واليوم ما زالت لوحاته تستقطب الإِعجاب بعدما ضمَّها، في تنسيقٍ أَنيق، المتحف الذي أُنشئَ على اسمه في مدريد.
كلام الصور:
- “فرحُ الركض على الشاطئ” (1908)
- “صيَّاد السمك” (1904)
- “باعة السمك في كاتالونيا” (1915)
- “حمَّام الحصان في البحر” (1909)
- “مشية هادئة على شاطئ البحر” (1909)