هنري زغيب
إِنه الخريف، ونحن الآن في قلْبه. إِذا كان امتدادُ فصله بين العشْر الأَواخر من أَيلول (سبتمبر) والتشرينَين (أُكتوبر ونوفمبر) والعشرين الأُولى من كانون الأَول (ديسمبر)، فإِنَّ ريشات الفنانين المبدعين تتجاوز الفصل السنوي المحدود لتُبقيه ممتدًّا على جميع الأَشهر بعبقرية الفن الذي يتخطَّى جميع الفصول.
من هنا اخترتُ لقرَّاء “النهار العربي” باقةً من 14 لوحة فنية عن الخريف بريشات رسامين من مختلف البلدان، أَبدأُ بسبعة منهم لهذا الجزء الأَول، وأُكمل في الجزء الثاني السبعة الآخرين.
- الفرنسيّ كلود مونيه (1840 – 1926)
سنة 1873 رسَمَ لوحة الخريف كما رآه في منظر على الضفة اليمنى من نهر السين قرب آرجانْتُوْيْ Argenteuil (شمال غرب باريس) المدينة التي اختارها لسُكْناهُ مع أُسرته بدءًا من كانون الأَول/ديسمبر 1871. وهو رسم اللوحة جالسًا في قارب صغير جعله محترفه المتنقِّل في انسياب نهر السين. في خلفية اللوحة، عند الضفة المقابلة من السين، يبدو قصر ميشْليه الشهير عصرئذٍ، وهو بناء فخم، سقْفُه من القرميد الرمادي، يرقى إِلى زمن الجمهورية الثانية، بناه سنة 1871 إِميل ميشْليه صديقُ الرسامين. من هنا ظهورُهُ في عدد من لوحاتهم، بينهم كلود مونيه الذي حرص على إِظهار القصر في عمق لوحته بمشحات رومانسية من ريشته تُظهر مناخ المنظر في الأَيام الأُولى من الخريف.
- الفرنسي بيار بونار (1867-1947)
هو عضو في جماعة أَطلقت على تجمُّعها لقب “النبيِّين”، اشتهرت في مرحلة ما بعد الانطباعية (1888-1900). نقلَت الرسم من الانطباعية إِلى الرمزية فالتجريدية، تأَثُّرًا بالرائدَين بول سيزان (1839-1906) وبول غوغان (1848-1903). وفي لوحته عن الخريف، وسَّع مداها إِلى الحقول والغابات عبْر تَغيُّر تفاصيلها مع مطالع طقس الخريف. وتبدو في لمسات ريشته أَلوانٌ متنوعة على خطوط تجريدية للتعبير عن الطبيعة في الخريف.
- الهولندي فنسنت فان غوخ (1853-1890)
لوحة الخريف هذه تختلف لدى فان غوخ عن سائر لوحاته. رسم فيها أَشجارًا حزينة في قرية زْوِيْلُو (مقاطعة كوفورْدِن: شمال شرق هولندا على الحدود الأَلمانية)، وتعمَّد رسْمَها بالفحم والقلم الرصاص والحبر لبستان تفاح وليمون على ورق غامق ليُظهر منذ النظرة الأُولى جَوَّ الخريف في تلك الناحية. وهو أَهدى هذه اللوحة إِلى هاوي الرسم واقتناءِ اللوحات صديقه الهولندي أَنْطُن كيرْسْميكِر (1846-1924) الذي حين هذا تسلَّم اللوحة، أَبدى إِعجابه بــ”السلام الهادئ والحزين في مزج الأَلوان”. وفي هذا الجو من الحزن والكآبة كثير من نفسية فان غوخ الحزينة التي أَودت به في آخر حياته إِلى الانتحار.
- الإنكليزي ديفيد هوكني (م. 1937)
وضع هوكني سلسلة من اللوحات عن الخريف بعد زيارته متحف “تيت” (المتحف الوطني للفن البريطاني) وحضوره المعرض الاستعادي لأَعمال الرسام الإِنكليزي جون كونستابل (1776-1837) رائد رسم المناظر في عصره. وإِذ تأَثَّر هوكني بمهارة كونسْتابل في إِبداع زيتياته، قرَّر أَن يرسم في الخارج، وسْط الطبيعة، مناظرَ من شرقيّ يوركْشاير التاريخية في شمال إِنكلترا. وفي تلك الناحية من الغابات وضع عددًا من اللوحات التي تميز بها أُسلوبًا ولمسات.
- الأَميركية جورجيا توتُّو أُوكيفي (1887-1986)
اشتُهرت بأَنها “أُمُّ الحداثة الأَميركية” في الرسم، وبرسْمها الأَزهار وأَبنية نيويورك العالية ومناظر نيومكسيكو. ومن مزايا أُسلوبها أَنها أَبرزت أَزهار الخريف بشكل مُكَبَّر ومفصَّل في بتلاتها وأَلوانها الفاقعة وأَوراق الشجر العالي. ويقال إِن الرسامة جمعت تلك الأَزهار وأَوراق الأَشجار من محيط بيتها، وحفظَتْها مجموعاتٍ كي تنقلَها إِلى لوحاتها.
- النمساوي غوستاف كْلِمْتْ (1862-1918)
تبدو لوحته “غابة البتولا” في غاية البهجة. ومع أَنها منظر لمجموعة جذوع أَشجار، إِلَّا أَنها تُظهر تفاصيل زُخرفية تزيـينية دقيقة اشتُهر بها كْلِمْتْ مغايرةً عن طبيعتها الأَصلية مزروعة في الأَرض. وفي أَوراق الشجر مشحات ذهبية تذكِّر بلوحته الشهيرة “القبلة” إِنما موشاة بالجو الخريفي.
- الأَميركي إدوارد هوبِّر (1882-1967)
براعتُه في الزيتيات والمائيات جعلَت منه رائدًا في عصره، خصوصًا في رسم المناظر. لوحتُه الخريفية “أُكتوبر في كيب كود” (شبه جزيرة في الناحية الجنوبية من ولاية ماساشوستس) هي من أَبرز أَعماله. وكان سنة 1930 استأْجر فيها وزوجته بيتًا صيفيًّا لسنوات ثلاث. وحرص في لوحته على إِبراز وحدانية المنظر ولطْف المناخ وانفراد تلك البقعة في فصل الخريف.
في الجزء المقبل من هذا المقال، أَعرض السبعة الرسامين العالميين الآخرين الذين وضعوا لوحات عن الخريف.
كلام الصُوَر
– كلود مونيه: “الخريف في أَرجنتُوْي” (1873)
- بيار بونار: “منظر في الخريف” (1912)
- فان غوخ: “بستان التفاح والليمون في الخريف” (1883)
- ديفيد هوكني: “أَشجار في الخريف” (2006)
- جورجيا أوُكيفي: “أَوراق شجر خريفية”
- غوستاف كْلِمْت: “غابة البَتولا في الخريف” (1902)
- إِدوارد هوبّر: “الخريف في كيب كود” (1946)