“شاعرٌ تعلّمنا عليه لبنانَ والشعر”.
بهذه الكلمات يعرّف هنري زغيب بسعيد عقل إهداءةً لكتابه فيه.
“سعيد عقل… إن حكى”، من نادر الكتب في أيّامنا.
لأنتَ في حضرةِ كتابٍ فاخر التجليد والورق، بالصورة واللون والحرف، إتقانًا في الإخراج والتصميم. هذا شأن “ضرغام”. هنيئًا لمن ينشر له!
وفي عَودٍ إلى المضمون: إبداع من هنري زغيب في إظهار شاعر النخبةملءَ قامة سعيد عقل، في ما صنع هذا الأخير من نفسه رقمًا صعبًا في العالم الذي له، وفي الرفعة التي ارتقى بها إليه!
من يعرف سعيد عقل يعي معرفته رجلاً من القلّة! يميّز هذا الرجلَ تبيُّنُ ثقافةٍ أدركت حضارةَ الإنسان في رقيّها الفكريّ العميق. وتبيِّنُ شاعريّتَه ألمعيّةُ إبداعاته الثابتة على علميّةٍ راسخة في حقيقة الكون ومكوّناته البشريّة والمخلوقاتيّة!
تفرّدَ كتاب هنري زغيب في إعلاء منارات شفّافة وضع في أعاليها سراجٌ موقد العقل، سعيدٌ من ينظر فوقَها، يتلذّذ شعلاتٍ مضيئة، من أرفع محطّات يمكن انتقاؤها في مسيرة شاعرٍ ابن العلم، كما يحلو له أن يقول في حاله. وفي هذه خصوصًا، دفقُ أحداثٍ علامات، حلا للمؤلّف أن تنير صفحاته تمجّدًا لنتاجه ورسالةً للملأ.
هوذا كتابه “قدموس” يُباع كتابًا بخمسين ليرة وينفد، يوم غالي الكتب تسعّرُه بضعةُ قروش! وهاك ندوات تكريميّة لرجالات فكرٍ وشعر لا تكتحل إلاّ بحضورٍ لافت ومشاركة شعريّة مطالَبة للشاعر الزحليّ الذي فرض شخصه على من سبقه، فأبوا من دونه احتفالا!
وانكبّ المؤلّف على كشف سعيد عقل سكرانَ بلبنان! هذا بلدٌ ليس كالبلدان. أنتَ على أرضٍ عمر الحضارة فيها من عمر الله! وقيمة إنسانها استحقاق لغةٍ، لا عربيّة يضيع فيها، بل لبنانيّة مكتملة الفقه والقاعدة، تعبّر عنه في الأصالة التي له والفرادة التي يكوّنها!
وإن حكى… كلام سعيد عقل في الكتاب بلسانه. تقرأه كأنّكَ جالسٌ تستمع إلى نبرته الزحليّة الآخذة في الثقة والمالكة في “كبريائها”. إن حكى، قال اقتناعاتِه الخاصّة بالكون والحياة، لوحةً من الحبّ والخير و”الجماليا”. الجماليا التي تهدي الخلود. وإن سردَ المؤلِّف روى رؤيته ناقلاً إليكَ عدوى الإعجاب بالشخص السعيد مُهديكَ بدعةً شاعريّة علَت على أترابٍ أعلام، وكنزًا ماسُه لؤلؤٌ علميّ يْغْني إنسانَ لبنانه ويفلش على العالم!
وتخال هنري زغيب جالسًا في حضرة قرّائه اعتزازٌ ببريق الطبق الدرّي!
إنّه تذوّقَ لذيذًا من طعمٍ ندَر، وقليلٌ عليه استمراءُ طِيب المذاق!
في 20 تشرين الثاني 2013