أَصعَبُ ما واجهَني أَمام هذا الكتاب الفرنسي: أَيُّ نصٍّ أَجمل، أَبلغ، أَحَنّ، في مخاطبة بيروت بعد انفجار 4 آب 2020.
هذا هو الكتاب الجماعي: “باقات حب إِلى بيروت” Pour l’amour de Beyrouth الصادر عن منشورات فايار الباريسية في 112 صفحة تنضح بحُب بيروت.
أَقول “الكتاب الجماعي” لأَنه ليس نصًّا لكاتبٍ واحد بل هي باقةٌ من 36 نصًّا لـ36 كاتبةً وكاتبًا من فرنسا ولبنان. لذا كان صعبًا عليَّ اقتطافُ نفثات منه، بل قبلاتٍ إِلى بيروت من أَقلام نثَرَت حبَّها على ثرى بيروتنا الحبيبة الـمُضّرَّجة بدماء الضحايا وجراح العنفوان وإِرادة البقاء وتجاوُزِ ما جلَدَ تاريخها القديم بين رُعب الزلازل وهُوج الحرائق.
أَفتَحُهُ، تَتَسَابق إِليَّ كلماتُ كُـتَّابه: من أَيِّها وأَيِّهِنَّ وأَيِّهِمْ أَختار؟
هي ذي منسِّقةُ الكتاب وكاتبةُ مقدِّمته: الكاتبة والإِعلامية الفرنسية سارة بْرِيان تَبُوح: “منذ ربع قرن تمامًا ليس يمرُّ يوم واحدٌ لا أُفَكِّرُ بكِ فيه يا بيروت. منذ وطئتُ أَرضكِ وأَنا أُحس نبضَكِ بي، في شغَف لقائكِ كما لقاءُ حبيب يشُدني إِليه الولع الشغوف، فأَسترجع عبقَ الياسمين ومنقوشةَ الزعتر وشوارعَ البسطة وحديقةَ سمير قصير والمتحفَ الوطني وصوتَ فيروز، حتى إِذا انفجرْتِ انفجَرَت قلوبنا فيكِ، لكنكِ داوَيْـتِها بما بَثَثْتِهِ فينا من شجاعةِ أَن جسَدَكِ تهشَّمَ لكنَّ روحكِ لم يمسَسْها انْجراح”.
أَقَــلِّـبُ الكتاب. تَكتُب الممثلة والمخرجة الفرنسية فاني آردان: “ودِدْتُني أَكون فيروز كي أُغنِّي حُبي لبيروت، للُبنان وللُّبنانيين ولأَرزةٍ وعَيتُ عليها منذ طفولتي خَرزَة وطنٍ رائعٍ مثلَها خالد”. ويكتب الطاهر بنْ جلُّون: “أَفتكرُ بيروت فتطالعُني امرأَةٌ فتيةٌ أَيًّا يكُن عمرها، جميلةٌ أَيًّا تكن ملامحها، تسْحَرني بخيالٍ ما زال يعيش معي منذ عرفتُها للمرة الأُولى مدينةً بنتَ حياةٍ لا تذْوي”. ويكتبُ لويس شديد: “لبناني هو ذاك الصوتُ الذي كنتُ أَسمعه وأَنا أُصغي إِلى قصيدة جديدة تقرأُها لي أُمِّي الشاعرة أَندريه شديد”. وينفعل الكاتب لوران غوديه فيصرخ” أَوجعَنا جميعَنا انفجارُ بيروت لكنَّها طَمْأَنتْنا إِلى أَنها قادرة على تفجير غضَب الشعب ومواصلةِ الحلْم بوطن غير عاديّ”. وتَصرخ فينوس خوري غاتا: “سمعتُ صراخَ الحجارة المتفحِّمة والجدرانِ المنهارة أَن تعيدَ لنا زمانًا معجوقًا بضحكات الأَولاد وسرير العروس والتلامذة المخبَّإين بين صفحات الكُتُب، وكرسيٍّ فارغٍ ضاعَ الرجلُ الذي كان يجلِس عليه”. ويتذكَّر جاك لانغ: “تصعقُني بيروت بجمالاتها وتنفَحُني بطاقتِها الإِيجابية فأَنتمي إِلى حب لبنان وصوت فيروز ومسرحية الأَخوين رحباني على أَدراج معبد جوبيتر، فأَحمل معي قصةَ حبٍّ لبيروت وأُتمتِم في قلبي: “بحبَّك يا لبنان”. ويصلِّي أَمين معلوف: “من بيروت الجريحة أَرفع إِلى السماء صلاةً لا اسْم لها ولا لغة، فيلُوح منها رجل حُرٌّ مارد سحَقَ التنين وعلَّمَنا كيف يكون الغضب”. ويكتب أَلكسندر نجار: “أَرتدي الحِداد على الضحايا والذكريات، وأُواجهُ مَن يظُنُّون أَن بيروتَ ماتت ولا يدرون بأَنها خارج الزمان والمدى، وبأَنها مكانٌ، كما الجنة، لا يبْلُغُهُ أَحدٌ ولا يطالُه تشويه”.
قلتُ في مستهل حديثي: “أَصعَبُ ما واجهَني أَمام هذا الكتاب: أَيُّ نصٍّ أَجمل، أَبلغ، أَحَنّ، في مخاطبة بيروت بعد انفجار 4 آب 2020”. وهذا صحيح، إِنما… أَيُّ كلامٍ ينتهي حين بيروتُ هي المخاطَبَة، بيروتُ حبيبتُنا الخالدة، بيروتُ التي لا تُشْبهها إِلَّا هي، ولا تُؤْتى إِلَّا بعاطفة واحدة: نبضةُ الحُب الكثير.
هـنـري زغـيـب
email@henrizoghaib.com