هنري زغيب
صحيح أَن محرِّك البحث “غُوغِل” بات الأَسهل تَناوُلًا: في كف اليد على شاشة الهاتف الجوال، أَو على شاشة اللوح الذكي أَو شاشة الكومبيوتر، لكن الباحثين مهما “غَوغَلُوا” بحثًا عن معلومة أَو موضوع، يبقى فضاءُ المكتبة العامة أُفقًا لا بديل عنه، عدا متعة الجلوس إِلى طاولة صامتة تضُجُّ عليها صفحات الكُتُب مزدهية بما تضم من كنوز معرفية.
في هذا المقال، أَجُول مع قرَّاء “النهار العربي” على تسْعة من أَجمل الفضاءات المكتبية في العالم.
- مكتبة كلية غلاسكو للفنون
تأَسست سنة 1845، لكنها انتقلت لاحقًا إِلى مبنى آخر صمَّمه المهندس تشارلز ريني ماكنتوش (1868-1928) في هندسة رمزية كانت سائدة عصرئذٍ في أُوروبا. تمتد الكلية في مدينة غلاسكو (سكوتلندا) على عدد من الأَبنية، أَحدُها مبنى المكتبة الذي عمل عليه ماكنتوش في مراحل عدة (1896-1909)، وبات هذا المبنى لاحقًا من أَبرز المعالم الهندسية في المدينة، وبقي كذلك نحو 100 سنة نموذجًا للفن الهندسي البريطاني الحديث، حتى اندلع فيه حريق قوي في أَيار/مايو 2014 قضى على قسم منه كبير، وزاد تلفُه في حريق آخر دمره في حزيران/يونيو 2018 فيما كان ترميم القسم المحترق من 2014 على وشك النهاية.
- مكتبة الإسكندرية
هي الأُخرى لاحقها قدَر الحريق مرارًا، هي التي كانت أَكبر مكتبة عامة في العالم القديم. بلغ محتواها نحو 400 أَلف مخطوطة، ومع احتراقها الأَخير أُذيع أَنه بات رمزًا لأَخطر خسارة معرفية في العالم.
يرقى تأْسيسها إِلى بطليموس سوتر (304-282 ق.م.) وواصله ابنه بطليموس الثاني فيلادلفوس على عهده (284-246ق.م.). وبفضلها استقطبت الاسكندرية إِليها معظم العلماء من العالم. تعرضت لأَكثر من حريق، أَقدمُها إِحراق يوليوس قيصر 100 سفينة على شاطئ المتوسط قبالة المكتبة حتى طالتها النار فقضَت على معظمها.
- مكتبة معهد الثالوث
ظهرت عالميًّا في الجزء الثاني من الفيلم الأَميركي “حروب النجوم” (2002). وفيها محفوظات معبد جِداي التابع لـمنظمة رهبانية روحانية وأَكاديمية قديمة، أَركانها موسوعيون ومعلمون وفلاسفة وعلماء وأَطباء ودبلوماسيين ومحاربون، تجنَّدوا لمساعدة الفقراء ومحاربة الأَعداء وحماية المدنيين. وشعارهم “السيف المضيء“. وهي من أَبرز معالم العاصمة الإِيرلندية دَبلِن. تضم المكتبة كنوز إِيرلندا الوطنية، وفي طليعتها مخطوطة “كتاب كولومبا” باللاتينية، في نسخة وحيدة مذهبة من الإنجيل ترقى إِلى القرن التاسع، تضم الأَناجيل الأَربعة وعددًا من النصوص الـمُصاحِبة. يرجِّح المؤَرخون أَنها مكتوبة في دير كولومبا، وهي مجموعة مساهمات من إِيرلندا وبريطانيا. ومع اشتهار المكتبة منذ 1592 راحت تتطور حتى أَصبحت مكتبة جامعية هي اليوم أَكبر المكتبات العامة في إِيرلندا.
- المكتبة البودليّة
تحمل اسم مؤَسسها سنة 1598 الدبلوماسي الإِنكليزي توماس بودلي (1545-1613). ساهم في شهرتها ظُهورها في سلسلة أَفلام “هاري بوتر”، وبكونها المكتبة التي كان يقصدها أُدباء كبار بينهم الكاتب الإِيرلندي الأَشهر أُوسكار وايلد (1854-1900)، وبينهم خمسة ملوك، و72 حائزًا جائزةَ نوبل و28 رئيس حكومة. وهي أَكبر مكتبة في جامعة أُكسفورد، وإِحدى أَقدم المكتبات العامة في أُوروبا. باتت اليوم تضم نحو 13 مليون كتاب مطبوع في معظم اللغات. تم تحويلها مكتبة رقمية سنة 2015 ليفيد منها الباحثون في كل العالم.
- مكتبة الإِسكوريال
هي في الأَساس قصر سكَن ملوك إِسبانيا، حتى جاء فيليب الثاني (حَكَمَ من 1556 إِلى 1598) فأَضاف إِلى القصر المكتبة التي باتت اليوم موقعًا تراثيًّا عالَميًّا. على سقوفها جدرانيات تمثل الفنون الليبرالية السبعة: علْم البلاغة، علْم الحوار الجدلي، علْم الموسيقى، علْم القواعد اللُغوية، علْم الحساب، علْم الهندسة، علْم الفلك. وهي في مدينة سان لورنزو دِل إِسكوريال (نحو 45 كلم شمال غربي مدريد). بين الكنوز المعرفية فيها: 600 من أَقدم المخطوطات الأُوروبية، 10600 كتاب من القرن السادس عشر، 2100 كتاب من القرن السابع عشر، ومئات الكتب النادرة من القرن الثامن عشر.
- مكتبة ومتحف مورغان
هي في جزيرة مانهاتن (نيويورك). صمَّمها سنة 1903 المهندرس الأَميركي تشارلز فولِن ماك كيم (1847-1909)، لتكون مكتبة خاصة لرجل المال والأَعمال بياربونت مورغان (1837-1913). جعل في تصميمه عددًا من الجدرانيات والزجاجيات والسجاجيد. في صفوفها عدد كبير من الرسوم الأَصلية القديمة جدًّا ومخطوطات نادرة من عصر النهضة وصُوَر فوتوغرافية قديمة وقطع فنية نفيسة. سنة 1924 جعلَها مورغان الابن مكتبة عامة بناء على وصية والده، وأَضاف إِليها مبنًى ملحقًا سنة 1928. عند ترميم المبنى، مكتبةً ومتحفًا، سنة 2006، أُضيف إِلى واجهته مدخل زجاجي.
- مكتبة كوبرز
تأَسست سنة 1885. تحمل اسم المهندس الدانماركي بيار كوبرز (1827-1921) وهو الذي صمم أَيضًا محطة أَمستردام الكبرى للسكك الحديدية ومتحف هولندا الوطني. المكتبة اليوم هي أَبرز معالم المدينة، وهي المكتبة الأَكبر والأَقدم في هولندا. فيها مراجع يقصدها الباحثون خصوصًا لِنا فيها من مراجع حول متحف أَمستردام. تضم آلاف المخطوطات وخصوصًا حول تاريخ الفن في العالم، كتبًا وصحفًا ومجلات متخصصة وأَكثر من دليل على أَخبار المزادات العلنية والمعارض التشكيلية والمجموعات الفنية.
- مكتبة القديسة جنفياف
معظم موجودات هذه المكتبة هي من مجموعة دير القديسة جنفياف في باريس، من القرن السادس أيَام كلوفيس الأَول ملك الفرنجة (466-511)، وهو بنى الدير مع زوجته كلوتيلد. للمكتبة تاريخ طويل، توَّجَتْه في القرن التاسع عشر قاعة كبرى للمطالعة بُنيَت سنة 1838 قائمة على أَعمدة حديدية كانت طليعية في زمانها، صمَّمها المهندس هنري لابروسْتْ (1801-1875) أَحد أَشهر مهندسي عصره. من أَبرز روادها الشاعر فيكتور هوغو، وَوَرَدَ ذكْرها في مؤَلفات سيمون دو بوفوار وجيمس جويس. سنة 1954 أُضيف إِليها جناح ونحو 100 مقعد إِضافي لمستخدمي القسم الرقمي فيها. سنة 1992 صنفتها الدولة الفرنسية معلمًا وطنيًّا تراثيًّا. واليوم تضم المكتبة نحو مليونين من أَندر الوثائق، وباتت جزءًا من حرَم جامعة السوربون في باريس.
- مكتبة النمسا الوطنية
كان اسمها مكتبة البلاط الأَمبراطوري، لأنها في قصر هوفبورغ الملكي مقر سلالة هابسبورغ في فيينا. أَسسها كبار سلالة هابسبورغ ولا يزال فيها حيز من مكتبتهم التي أَعاد تصميمَها المهندس عبقري عصره يوهان فون إِرلاخ (1656-1723) وأَكمل بناءَها ابنُه جوزف إِيمانويل (1693-1742) وفيه جدرانيات ومنحوتات نادرة. سنة 1920 سميت باسمها الحالي بعد سقوط سلالة هابسبورغ ونشوء الجمهورية النمساوية. وهي تضم أَربعة متاحف ومجموعات كتبية وفنية نادرة. يصنِّفها الخبراء “أَجمل مكتبة في العالم”. فيها نحو 12 مليون عنوان، ما يجعلها أَكبر مكتبة في النمسا.
كلام الصور:
- مكتبة مورغان – نيويورك
- مكتبة غلاسكو – سكوتلندا
- مكتبة معهد الثالوث – دبلن (إيرلندا)
- مكتبة بودليان – أُكسفورد (المملكة المتحدة)
- مكتبة الإِسكوريال – مدريد
- مكتبة القديسة جنفياف – باريس