سنة 1957 ترشَّح شارل مالك للانتخابات النيابية في الكُورة، وفاز لكنه لم يستمرّ في مقعده النيابي سوى بضعة أَشهُر.. ففي أَيلول 1958 قدَّم استقالته إِلى رئيس المجلس عادل عسيران، وغادرَ لأَنه انتُدِب ليكون ممثلَ لبنان في الأُمم المتحدة حيث ترأَس دورة كاملة باسم لبنان.. وبعد سنواتٍ، في لقاء تلفزيوني مع الإِعلامية ليلى رستُم، سأَلَــتْــه لِماذا لم يترشَّح بعد عودته، فأَجابها: “لكلٍّ منَّا صَنْعَتُه، والنيابة ليست صَنْعَتي”.
سنة 1965 ترشَّح سعيد عقل في زحلة للانتخابات النيابية الفرعية في زحلة وقام بحملة حضارية تليق بأَنْ تُوصلُهُ إِلى ساحة النجمة.. لكن تكتُّلات سياسية حيكَت ضدَّه فلم ينَلْ سوى 8833 صوتًا وخسر مقابل الطبيب جوزف الهراوي الذي فاز بنَيْله 15351 صوتًا.. ومن يومها أَشاح عن الترشُّح، وراح يبني لبنان كما يراه حتى بات ذات فترة “رئيس جمهورية لبنان الحضاري” كما سمَّاه العلَّامة الكبير الشيخ عبدالله العلايلي.
في 7 أَيلول 2022 أَعلنَت الشاعرة اللبنانية مي الريحاني ترشُّحها لرئاسة الجمهورية، في مؤْتمر صحافي (كما يحصل في البلدان الراقية حيث الترشُّحُ ضروريٌّ كي لا تكون الرئاسة قبائلية عشائرية). وقرأَتْ برنامجها المفصَّل (وزَّعتْهُ على الحضور في ثلاث لغات) واضعةً فيه خبرتها الإِنمائية الطويلة في الولايات المتحدة، ومنها علاقاتها الميدانية الواسعة مع المنظَّمات الدولية الكبرى (البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، منظمات رئيسة في الأُمم المتحدة). وعملَت على ربط الإِنماء والتربية بالاقتصاد، وعلى تعليم الفتيات وتمكين المرأَة، وعلى التعاون مع 30 دولة لتحقيق تلك المبادئ التي لأَجلها زارت 40 دولة موقِّعةً فيها عقودًا تنفيذية.. وكانت في هذا السياق نائبة رئيس أَول ثلاث منظمات أَميركية رائدة في التنمية الدولية، ولها 11 كتابًا بالإِنكليزية والعربية.. ومع أَنها جالت على معظم القوى السياسية في لبنان شارحةً برنامجها الرئاسي، ما زالت تنتظر أَن ينتخبَها المجلس النيابي رئيسةً للجمهورية فيما المطروحون لم يقدِّم أَحدٌ منهم ترشُّحه مقرونًا ببرنامجٍ ورؤْية.
الأَحد الماضي (19 الجاري) تقدَّم المحامي الكاتب أَلكسندر نجار لمركز نقيب المحامين في بيروت، قارنًا ترشُّحه ببرنامج ذي رؤْية يُضمرُها لزملائه المحامين في حال ترؤُّسه النقابة.. نال 1528 صوتًا من مستقلِّين مثْله ليسوا حبوبًا صاغرة في أَحزاب وتكتُّلات سياسية، فكان “لاانتماؤُه” السياسي سبَبًا في نيله ما سوى حصة هزيلة تدعى “العضو الرديف” بعدما اشتغلَت محادلُ سياسة تطاحنَت كي تُوصل مرشحيها تحت الشعار/الكليشيه: “خدمة المحامي والانتخابات الديمقراطية”.. وكنتُ قُبَيل الانتخابات النقابية، آملًا بفوز أَلكسندر نجار نقيبًا، هيَّأْتُني لأَكتب مقالًا عنوانه: “نقيبُ محامي بيروت كاتبٌ عالَمي”، مبْرزًا أَن يكون نقيب مدينة “أُم الشرائع” مؤلِّفًا لبنانيًّا فرنكوفونيًّا صدرَت مؤَلفاته في نحو 12 لغة عالَمية حتى الآن، إِلى كونه رئيس تحرير ملحق “الأُوريان الأَدبي”، ومؤَسس دار نشر مُشَرِّفة: “شرق الكتاب”، إِلى مؤَلفاته القانونية، وجوائز دولية كبرى تُتَوِّج مسيرته، ومحاضراته المتتالية في لبنان والعالَم، ما يجعله شخصية لبنانية مضيئة من لبنان إِلى العالَم.. كلُّ هذا لم ينفَعه في مواجهة محادل القوى السياسية.. لكنَّ ما ينفعه أَنه، لو فاز برئاسة النقابة، سيكون بعد سنتَين “النقيب السابق” بينما من عرشه كمؤلِّف لن يكون يومًا “الكاتب السابق”.
كلُّ هذا الأَعلاه لأَقول إِن لبنان الدولة محكومٌ بــ”بيت بو سياسة” ممَّن مُعظمُهم أُمِّــيُّــون بلبنان الحضارة. لكنَّ لبنان الوطن سيبقى سائرًا في التاريخ الحديث رافعًا جبينَه اعتزازًا بأَعلام فيه، على أَرضه وفي العالم، مبدعين دائمين فكرًا وأَدبًا وثقافةً وتأْليفًا، ولن يكونَ لأَحدٍ منهم أَن يَسقط يومًا في حمأَة انتخاباتٍ تَجعلُه، ولو فاز بها، أَن يحمل – بعد فترةٍ منها – لقبَ “السابق”.
هـنـري زغـيـب
email@henrizoghaib.com