هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“السياسة صناعة المستقبل”
“أَزرار” رقم 1325
“النهار” – الجمعة 9 آب 2024

بقيتُ ردحًا غيرَ قصيرٍ  أَنْفِر من السياسة ورجالها وسلوكهم، معتبرًا أَنني من عالَم الثقافة وأَعلامها الخالدين بعيدًا عن أَهل السياسة العابرين في الزمان كالغيم العابر.. سوى أَنني، تدريجًا، رحتُ أَعي أَنَّ نفوري ليس من السياسة كعلْم وسُلُوك وقيادة بل من حفنة سياسيين وعيتُ عليهم في لبنان، شخصانيين أَنانيين استغلاليين متحكِّمين، على صورة ما به نَعَتَهُم العالِم الأَميركي جيمس فريمان كلارك (1810-1888) بأَن “رجال السياسة يعملون للانتخابات المقبلة فيما رجُل الدولة يعمل للأَجيال المقبلة، ويجعلون الدولة في خدمتهم فيما رجُل الدولة يضع ذاته في خدمة الدولة”..

ترسَّخَت بي هذه القناعة يومَ حضرتُ، قبل أَيام، إِطلاقَ “مركز فيليب سالم للدراسات السياسية اللبنانية” لدى جامعة القديس يوسف – بيروت، وسمعتُ رئيسَها البروفسور الأَب سليم دكاش يؤكِّد “على دورٍ لهذا المركز محوريٍّ في تعزيز فهم الواقع السياسي اللبناني المعقَّد، وفي تطوير مقترحات وحلول تستند إلى البحث العلمي والمعرفة المتخصصة، لتبادل الخبرات والمعرفة كي يكون هذا المركز الجديد صوتَ لبنان في المحافل الدولية فيُسهم بتعزيز صورته دولةً فاعلة ومنفتحة على العالم”..

هي ذي منارة جديدة في لبنان وسْطَ عتمة ما أَوقعنا به دخلاء السياسة الفاسدون.. ولاختيار الدكتور سالم “الدراسات السياسية” (لا الطبية، وهو الطبيب المكتشف الرائد) هدفًا لإِنشاء “المركز”، دليلُ ما ينويه للنهضة بالسياسة “صناعة المستقبل ورجاله” لإِنقاذ لبنان من دينوصوراته الدهريين المتحكِّمين بمصيره ومصير أَجياله المقبلة.. وهو اختار لهذا المركز الجامعة اليسوعية لأَنها “أُمُّ” أَفواج كثيرة جدًّا من السياسيين والدبلوماسيين والإِداريين والمحامين والقضاة، تخرَّجوا منها فانصرف قليلُهم إِلى العمل بشرَف ما تلقَّاه فيها، وانزاح معظمهم إِلى الموجة السائدة السيّئة فأَفسد بسلوكه السيّئ ما كان تلقَّاه فيها.. ومن إِيمان الدكتور سالم برسالة الجامعة سياسيًّا، قدَّم لها مكتبته الخاصة بكل ما فيها من مراجع سياسية وإدارية وعلْمية، وأَوراقَ والده أَديب سالم الكاتب بالعدل في ضيعته بطرام وسائر الكورة، موظفًا مثاليًّا باحترام القانون فكان سيفًا مُصْلَتًا على الخطأ وهاديًا أَبناءَه ومحيطه إِلى الصلاح التام..

هكذا أَراد فيليب سالم “المركز” في الجامعة، بمكتبته ورسالته، نورًا هاديًا أَجيالَنا الجديدة إِلى سلوك الصلاح.. ومن هنا رأْيُهُ أَنَّ “أَهَم قضية في لبنان اليوم هي القضية السياسية، بسبب فشل سياسي يعاني منه لبنان أَساسيًّا وبُنْيَويًّا، لأَنه مصاب بمرضٍ سياسي لا ينفعه إِلَّا الصمود وأَن نبقى واقفين فلا ننحني أَبدًا ولا نُصاب بالإِحباط الذي هو اليوم أَخطر عدوٍّ  للبنان وجامعته ودوره الرؤْيوي”.. لذا شهَرَ إِيمانه أَنْ “على الرغم من أَزمات لبنان، ما زالت جامعاتُنا تندرج بين أَهَم جامعات العالم وأَكثرها قدرةً على التأْثير في الرأْي العام السياسي والثقافي والشبابي والوطني.. لذا علينا أَن ندعم الجامعة في لبنان على كل الصعُد، وأَن نعمل على إِنهاضها من عثراتها، وتشجيعها لتبقى عالميةً ذات قدْرٍ كبير من التأْثير والفاعلية، وأَن نبقى إِلى جانب الجامعة لأَنها المنارةُ التي تُضيْءُ على قضايا الوطن، حاملةً بوصلةَ المعرفة والثقافة والوطنية.. فَلْنَبْقَ إِلى جانب جامعاتنا ومعاهدنا، واقفين مع جميع اللبنانيين كي يبقى لبنان منارةً لهذا الشرق المعذَّب”..

فيليب سالِم، الشافي المئاتِ من أَخطر وَرَمٍ خبيثٍ: السرطان، يعمل أَيضًا في مختبره الوطني على شفاء لبنان من سرطان سياسييه، رائيًا إِلى جيلٍ لبناني جديدٍ شافٍ من أَورام سياسيين فاسدين، مهيَّإٍ أَن يتولَّى الحكْمَ في لبنان لا بمنطق “السياسة فن الكذب والمراوغة والأَنانية” بل بشعار فيليب سالم في مركزه الجامعي الحديث أَنَّ “السياسة صناعةُ المستقبل”.. وهنيئًا لنا عندئذٍ، وللبنان الآتي، بوطنٍ ننحني أَمام علَمه المقدَّس، ونَبُوسُ أَرزته الصامدة في التاريخ على جبين الصفحة الأُولى من كتاب التاريخ.

هـنـري زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib