هنري زغيب
بعد الجزء الأَول (سيرة أَلْبِرتْ الريحاني ومسيرته ناشرًا) والجزء الثاني (أَلْبِرتْ ولورين: زواج الحب والأَدب)، أَختُم هذه الثلاثية بما كان لأَلْبِرتْ من اهتمام مثْمر بنشْر تراث شقيقه أَمين الريحاني.
أَلْبِرتْ وأَمين
منذ اشترك أَلْبِرتْ الريحاني مع صهره يوسف صادر في “دار صادر – الريحاني للطباعة والنشر” راح يهتمُّ بنشر مؤَلفات شقيقه أَمين الريحاني، حتى إِذا استقلَّ لاحقًا بإِنشائه “دار الريحاني للطباعة والنشر” يُصدر فيها مؤَلَّفات نخبةٍ مميَّزة من الأُدباء اللبنانيين، واصل بعد غياب الأَمين (13 أَيلول/سپتمبر 1940) جَـمْـعَ تراثه المخطوط ونشْرَه تباعًا. لكنه لم يكن فيها مجرَّد ناشر حياديّ بل محقِّقًا مدقِّقًا وواضعَ هوامشَ وشُروحٍ وتعليقاتٍ تُـمَوقِعُ النص في سياقه الزمني والأَدبي، كما كان خَبِرهُ أَلْبِرتْ من شقيقه شخصيًّا أَو من متابعته إِياه مؤَلِّفًا وناشطًا أَدبيًا إِبان حياته الغنية بالجنى التأْليفي والأَدبي. واستحقَّ أَلْبِرتْ تهنئة الوسط الأَدبي على عمله الشاهِق في تخليد أَدب شقيقه الأَمين بنشْره في لبنان والعالم العربي.
من تلك التهانئ، مثلًا، رسالة ميخائيل نعيمه إِليه حين أَصدر الطبعة الأُولى من “قلب لبنان” (1947 عن “مطابع صادر-الريحاني)، جاء فيها: “عزيزي أَلْبِرتْ، كنتَ بارًّا بأَخيكَ وبالأَدب العربي وبوطنكَ، عندما أَصدرتَ كتاب “قلب لبنان”. وسيقول لكَ الكثيرون من قرَّاء هذا السِفْر النفيس ما أَقوله أَنا: أَحسنْتَ، أَحسنْتَ، سلِمَتْ يداك. هي ساعاتُ متعة للروح والجسد، تلك التي صرفْــتُها برفقة الأَمين في رحلاته اللبنانية… إِن لبنان الذي أَحبَّه أَمين حبًّا يداني التقديس، يُسفِر في صفحات كتابه عن وجهه الحقيقي… فالسلام عليه، والشكْر لك يا أَلْبِرتْ”.
رسائل أَمين في عهدة أَلْبرِتْ
وينكَبُّ أَلْبِرتْ على مجموعة كبيرة جدًّا من الرسائل التي كان شقيقُه أَمين تلقَّاها من كبار الأُدباء اللبنانيين والعرب، فينسِّقها ويبَوِّبها في تسلسل زمني دقيق (من 1900 إِلى 1940)، ويُصْدِرها سنة 1966 عن “دار الريحاني للطباعة والنشر” في حلَّة أَنيقة خبِرَ أُصولها أَميركيًّا ولبنانيًّا من مهنة النشر، ويُصَدِّرها بمقدمةٍ جاءَ فيها: “سبَقَ أَن جمعتُ رسائل أَمين الريحاني في كتاب استغرق إِعداده وقتًا وجُهدًا طويلَين صرفتُهما في مراسلة الأُدباء والاتصال بهم للحصول على تلك الرسائل. وبيَّنْتُ ذلك مفصَّلًا في كتابي السابق “رسائل أَمين الريحاني”. ثم عثرتُ في خزانة مراسلات أَمين على هذه المجموعة الجديدة التي تكشف عن نشاطاتٍ مغمورة قام بها رجالاتُ الرعيل الثاني من عصر النهضة. وقد كتَبَ هذه الرسائل، في حقبة أَربعين سنة، نحو 100 كاتب من كتَّاب النهضة في أَوائل هذا القرن، فكأَنها 100 كتاب جُمعَت في مجلد واحد”. ويختم أَلْبِرتْ هذه المقدمة بــــ”عسى أَن تكون هذه التوطئَةُ كوَّةً صغيرة يُشرف منها القارئ على عالم كبير ينجلي له نيِّرًا شفَّافًا، كلَّما سرَّح النظر فيه يزيده متعة واستهواءً”.
دليل أَلْبِرتْ إِلى أَمين
ويمضي أَلْبِرتْ تَوَغُّلًا في عالم شقيقه الأَمين، متابعًا ملاحقًا كلَّ ما صدَر على حياة الأَمين وبعد غيابه من مقالات ودراسات وكتب وأَطاريح جامعية وأَدبية وثقافية ودوريات في لبنان والعالم وفي لغات عدة، أَحصاها وبَــوَّبَها وأَصْدَرها بالعربية والإِنكليزية معًا في مجلَّد بيوغرافي كبير سماه: “أَين تجد أَمين الريحاني” (“المؤَسَّسة العربية للدراسات والنشر” – طبعة أُولى 1979- 550 صفحة حجمًا كبيرًا)، صدَّره بمقدمة مطوَّلة جاء فيها: “استغرقَ مني هذا العملُ خمسَ سنوات من الجهد المتواصل الشاقّ لوضع ثَــبْتٍ جامع للمصادر والمراجع المتعلِّقة بالريحاني، وتغطية ما كتَبه هو بالعربية والإِنكليزية… ليَخْرجَ هذا الكتابُ فيسهِّلَ للنقاد والباحثين الوصولَ إِلى كل ما يتعلَّق بمؤَلَّفات الريحاني العربية والإِنكليزية، وبنشاطاته الفكرية المختلفة في الحقول الأَدبية والسياسية والإِصلاح الاجتماعي. وحاولتُ أَن أُجيب عن أَسئلةٍ حول مؤَلفات الريحاني وتواريخ طبعها وناشريها، وأَقدمتُ على وصف المخطوطات التي تركها جاهزةً للنشْر، مع المؤَلَّفات الموضوعة عنه ، مع ما صدر عن الريحاني في الصحافة اللبنانية والعربية والعالمية”. ويختُم: “لا أَدَّعي أَنني تمكَّنْتُ من جمْع كل ما كُتِب عن أَمين، لكنني حقَّقْت بعضًا مما يشكِّل الأَساسَ الثابت والمرتكَز الأَول لأَعمال نقدية مقْبلة حول صاحب “كتاب خالد”… ولا بدَّ في الختام من التنويه بإِسْهام ابني أَمين بما جمعتُ من هذه المعلومات، واشتراكِه في تحقيقها وتبْويبها. فلولاه لما تحقَّقَت وانتظمَت على الشكل الذي أَتت عليه”.
من أَلْبِرتْ إِلى أَمين أَلْبِرتْ
بعد وفاة أَلْبِرتْ (28 تموز/يوليو 1995) أَكمل رسالتَه ابنُه أَمين أَلْبِرتْ الريحاني، مُحافظًا على المتحف كأَفضل مُتحف أَدبي خاص في لبنان، ومُشْرفًا على إِصدار أَكْملِ مؤَلَّفات أَمين الريحاني العربية (لدى “مكتبة لبنان”) بتحقيقٍ جَلُودٍ مُدهشِ الدقَّة، وبوضْعِه هوامشَ وشروحًا ووثائقَ جاءت أَتَمَّ ما يُمكن أَن يَصدر من توثيق أَكاديمي جامعٍ كاملٍ لهذا النوع من نشْر الأَعمال الكاملة.
ولا يزال أَمين أَلْبِرتْ الريحاني (وهو الأَكاديميُّ العريق والدكتور في الأَدب) المرجعَ الأَول عن عمِّه أَمين، والـمُكْملَ رسالةَ والده أَلْبِرتْ، مع شقيقته (في واشنطن) الشاعرة مَيّ أَلْبِرتْ الريحاني التي أَدين لها، معلوماتٍ وصُوَرًا، بمعظم ما ورَدَ في هذه الثلاثية.
كلام الصور:
– أَمين الريحاني في عهدة شقيقه أَلْبِرتْ
- أَلْبِرتْ مُــتَــتَــبِّــعًا مُعاصري الأَمين
- قلب لبنان (1947) عن “مطابع صادر – ريحاني”
- لائحة مؤَلَّفات الأَمين لدى “دار الريحاني”
- أَمام جثمان أَمين: أَلْبِرتْ وشقيقتُهُ سعدى