هو بطريرك الموارنة (1630-1704) حتى وفاته.. لكنه منذ 2 آب المقبل (بالضبط في الذكرى 394 لولادته في إِهدن نهار 2 آب 1630) سيُصبح طوباويَّ لبنان واللبنانيين في الـمَهَاجر اللبنانية، على طريق تطويبه قديسًا في ما بعد..
هوذا نورٌ آخرُ يشعُّ من لبنان إِلى العالم، مردِّدًا منائرَ مَن سبَقُوه: القديس شربل (1977)، القديسة رفقة (2001)، القديس نعمة الله الحرديني (2004)، الأَب يعقوب الكبُّوشي (2008)، الأَخ أسطفان نعمة (2010)..
وهوذا وادي قنوبين يحتفل ببزوغ قداسة جديدة مجدِّدًا هويتَه اللبنانية: وادي القديسين (وادي قاديشا “المقدَّس”)، وهويتَه العالَمية (تعيينه سنة 1998 على لائحة اليونسكو لـ”مَوَاقع التراث العالَميّ”)..
وهوذا لبنان، من جديد، حديثُ العالَم الحضاري عن حدَث دينيّ حضاريّ جامع يعوِّض عن تفرقات أَهله من “بيت بو سياسة” الذين، بِتَفَكُّكهم ونزاعاتهم ومشاحناتهم وشخصانياتهم، أَوقعوا شعبَ لبنان في اليأْس، ودولة لبنان في البؤْس، وشوَّهوا زورًا صورةَ لبنان الوطن في العالَم..
مع تطويب الڤاتيكان أَولَ بطريرك مارونيّ، يرتقي لبنان إِلى التي فوق جميع البطولات: بطولةُ التواضُع الـجَمّ ينحني أَمامه مؤْمنون في العائلات الروحية جميعها من دون استثناء.. وكلُّ مَن يرى في معبد سيِّدة لبنان (حريصا) وفي ساحة عنَّايا (دير مار مارون حيث ضريحُ شربل، ومحبسة بطرس وبولس حيث تَصَوْمَعَ شربل 16 سنة)، يَعي أَنَّ لبنان أَرضٌ مقدَّسةٌ لا تعني مسيحييه دون مسلميه، ولا تخصِّص الدين المسيحي الشريف دون الإِسلام الحنيف..
بعد يوسف سمعان السمعاني وجبرائيل الصهيوني وسائر الخرّيجين من “ملافنة” المعهد الحبري الماروني في روما القرن السابع عشر، هوذا الطوباويّ البطريرك أسطفان الدويهي: رجلُ فكْر يشعُّ غزارةَ نتاج فلسفيّ وتاريخيّ وروحيّ وليتورجيّ ولاهوتيّ، بين سِفْره التاريخي “تاريخ الأَزمنة” (نقلًا عن النسخة الڤاتيكانية رقم 215، وفيها سردُ أَحداث ووقائع تاريخية بدءًا من الفصل الأَول عن نشأَة الإِسلام وظهور الدعوة سنة 622، حتى الفصل الثاني عشر عن حوادث القرن السابع عشر متوقِّفًا عند السنة 1699)، وسِفْره الليتورجيّ “منارة الأَقداس” (نشَرَه المعلِّم رشيد الخوري الشرتوني سنة 1895 عن النسخة المخطوطة في دير سيدة اللويزة – زوق مصبح)، وسائر ما خطه قلمُه المتنسِّك لخير الإنسان ذهنيًا وروحيًّا..
إِنه لبنانُ الفَذُّ محليًّا ومشرقيًّا.. وإِنها الأُمَّةُ اللبنانية (التي لأَجلها يُؤدّي كلُّ رئيس جديد قَسَمَه: “أَحلف بالله العظيم أَنْ أَحترمَ دستورَ الأُمَّة اللبنانية وقوانينَها وأَحفظَ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أَراضيه”).. وإِنه الوطن اللبناني الذي على أَرضه تمَّت أُعجوبةُ يسوع الأُولى (في قانا – بانتظار تثْبيتِها بكركيًّا فَڤاتيكانيًّا)، وعلى جبين جَبَله تمَّ تجلِّيه لتلامذته (قمة جبل الشيخ)، وعلى شاطئه تمَّت أُعجوبةُ ابنة المرأَة الكنعانية (صيدا)، وفي مغارةٍ على ساحله كانت أُمُّ يسوع تنتظره (الـمَنْطَرة – مغدوشة)، ومن ذوَبان الثلج على حرمونه تتشكَّل المياء التي بها يوحنا عمَّد يسوع (نهر الأُردن)..
وها هو اليوم، بعد جميع هذه التجلّيات الجليلة، يشهَد تطويبَ بطريرك جليل كرَّس حياته لخدمة رعاياه حتى باتت له اليوم رعيةٌ تمتد من قداسة وادي قنوبين إِلى جميع الواحات التي في العالَم تستاهل التقديس..
عسى يكونُ لنا مع كل قديس جديد سوطٌ من نار يطردُ من هيكلنا يوضاسيين، إِذ تَوَلَّوا سُلطته وزنةً مباركَةً، شَلَّعوها وعهَّروها وباعوها في سوق النخَّاسين، فلا أَقلَّ من اعتبارهم خَوَنَةً لم يَعُدْ يرتضيهم إِليه سوى غصن يابس في جُـثَّـة تينة عاقر.
هـنـري زغـيـب
email@henrizoghaib.com