هنري زغيب
بفخامة الموكب الملَكي، ومهابة المناسبة الجُلَّى، ستشهد شوارعُ القاهرة التاريخيةُ العريقةُ نهار السبت المقبل (3 نيسان/أَبريل) عبور 22 حافلة كبرى تحمل 22 مومياءً ملَكية مسجَّاة، وجهُها صوب السماء حيث خلودُها مسجَّلٌ منذ 2500 سنة.
من بيت عريق إِلى بيت عريق
هي منذ سنوات لدى حُرمة المتحف المصري في قلب القاهرة (ميدان التحرير). وهو من أَشهر المتاحف العالمية العامة (تأَسس سنة 1935). فيه اليوم نحو 180 أَلف قطعة أَثرية، هي أَغنى مجموعة في العالم عن التاريخ المصري القديم، وفيه مركزٌ فريدٌ لترميم الآثار يضم 10 مختبرات يتولَّاه اختصاصيون في الترميم يعملون بتركيز شديد وعين ثاقبة ويد ثابتة وبصمتٍ شبه رهباني.
من هذا المتحف العريق سينطلق موكبُ الفراعنة الذهبيُّ بالمومياوات الملَكية، في جلال ومهابة، إِلى مكان عرضها الدائم لدى “المتحف القومي للحضارة المصرية” في الفسطاط (تأَسس سنة 2002 على 135 أَلف متر مربع، ويطل على بحيرة عين الصيرة السياحية قرب جامع عمرو ابن العاص). وهو منذ مدة في ورشة تحضير قاعاته وتجهيزها تقْنيًّا لاستقبال المومياوات والنواويس. وغداةَ وصول الموكب إِليه ينفتح للجمهور، وتكريمًا هذه المناسبةَ أَعلن وزير السياحة والآثار خالد العناني عن تخفيض 50% من ثمن البطاقات طيلة أُسبوعَين (4 إِلى 17 نيسان/أَبريل) للدُخول إِلى القاعة الكبرى، ويومًا واحدًا للدخُول إِلى قاعة المومياوات الملَكية في 18 نيسان/ أَبريل لأَنه “اليوم العالمي للتراث”. بعد هذه المدة ستدخل المومياوات في صناديق كبيرة مزججة. واحتفاءً بهذا الافتتاح الكبير، وافق مجلس إِدارة المتحف في اجتماعه الأَخير على السماح للإِعلاميين المصريين والعرب والعالميين بالتصوير الإِعلامي مجانًا ليومين فقط: 4 و5 نيسان/أَبريل.
مهابة الاستعداد
مجدٌ لمصر الأَمس، فَخارٌ لمصر اليوم، ونبضٌ نبيلٌ لمصر المستقبل أَن يَعبُر الموكب الملَكي شوارع القاهرة أَمام كاميرات 200 قناة تلڤزيونية عالَمية طلبَت الإِذن بنقل الحدَث مباشرةً على الهواء. فإِضافةً إِلى 17 ناووسًا فخمًا، تعودُ المومياوات إِلى الأُسَر الفرعونية منذ السابعة عشْرة حتى العشرين، وهي 18 مومياء ملوك و4 مومياوات ملِكات، بينها مومياء الملك رمسيس الثاني، الملك سقْنُن رع، الملك تحوتمس الثالث، الملك سِتِي الأَول، الملكة حَتْشِبْسُوت، الملكة ميريت آمون زوجة الملك أَمِنْحُوتِب الأَول، والملكة أَحمس نفَرتاري زوجة الملك أُهمز، وهذا الموكب رمز خالدٌ من عالم مصر القديمة أَيام كان الملُوك والملِكات يُنقَلون إِلى رموسهم في الأَبدية عبر النيل العظيم تواكبهم الأَحصنة المطَهَّمَة والعربات المجلَّلة.
استعدادًا كذلك لهذا الحدث طلبَت وزارة السياحة والآثار من أَصحاب الأَبنية تهيئَة سُطُوحُها كي تبدو جميلةَ التنسيق حين ستمرُّ فوقَها الـمُسيَّرات التلڤزيونية، فيما 14 لغة عالَمية ستنقل هذا الحدث الأَول من نوعه في العالم. ولأَجل إِنجاحه جنَّدت وزارة السياحة الجهات الأَمنية والمجلس الأَعلى للآثار والشركةَ منفِّذَةَ عمليةِ النقل كي تتم هذه بأَقصى إِجراءاتٍ تراعي معايير الأَمان والسلامة المتَّبعة عالمياً في نقل القطع الأَثرية داخل وحدات تعقيم مجهزة بأَحدث الأَجهزة العلمية، وتحميلُها على حافلات مصمَّمة ومجهَّزة خصيصًا للحدث، حفاظًا على سلامة المومياوات وضمانًا تنفيذَ الاحتفالية كما يليق بعظمة الحضارة المصرية القديمة.
كيف رأَت النُور؟
كان علماء الآثار اكتشفوا 40 تمثالًا مذهَّبًا ومجموعةَ قطع أَثرية نادرة في مقبرة سقارة (قرب القاهرة في محافظة الجيزة، وفيها أَحد أَقدم الأَهرامات في العالم). وجدوا نعوشًا مختومة مدفونة منذ 2500 سنة في حالة جيدة، فيها تماثيل خشبية ملوَّنة ومذهَّبة مدفونة في آبار عميقة داخل 3 أَعمدة بعمق 12 مترًا تعود لفئة أَثرياء وقساوسة وكَتبَة. وتم فتح المومياوات وفحصها بالأَشعَّة السينية لمعرفة عمرها وجنسها.
في الإِعلان عن “الموكب الذهبي” كتب وزير السياحة: “حدثٌ عالمي لا مثيل له، يليق بعظمة الأَجداد في مصر التي منها يبدأُ كلُّ شيء”.
أَنَلُومه على اعتزازه بتراث بلاده ومجدها الخالد؟
وكيف لا نحترم دولةً تنقل مومياواتها في “موكب جليل” باحترامٍ تقديسيٍّ يؤَاخي فخامةَ موكب الأَحياء؟
كلام الصور:
- متحف مصر في ميدان التحرير
- المتحف القومي للحضارة المصرية في الفسطاط
- طليعة الموكب الذهبي الفخم
- تعقيم المومياء الملَكية